للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

العلم ما هو أوثق من أوثق من الذي في يده) (١). ثم هي بعد ذلك من المسائل التي يُتفقَّه بها ويُتدرَّب عليها.

والفقهاء قد يختصرون في بعض المسائل لظهور حكمها ووضوح مأخذها، ويطيلون في أخرى لإشكالها ودقة مأخذها، وربما كانت الأولى أكثر حصولًا وحاجة الناس إليها أكبر، وربما كانت الثانية من قبيل النوادر، لكن الناس لا بد لهم ممن يفتيهم.

وبناءً على هذا فالنظر إلى المادة الفقهية نظرةً كميةً، وقياس اهتمامات الفقهاء بالنظر إلى طول المسائل وقصرها فيه خلل كبير.

ولشيخ الإسلام ابن تيمية (ت ٧٢٨ هـ) في تقرير هذا المعنى كلام نفيس حيث يقول: (بل باب الحيض الذي هو من أشكل الفقه في كتاب الطهارة، وفيه من الفروع والنزاع ما هو معلوم، ومع هذا أكثر الأحكام الشرعية المتعلقة بأفعال النساء في الحيض معلومة. ومن انتصب ليفتي الناس يفتيهم بأحكام معلومة متفق عليها مائة مرة، حتى يفتيهم بالظن مرة واحدة. وإن أكثر الناس لا يعلمون أحكام الحيض وما تنازع الفقهاء فيه من أقله وأكثره وأكثر سنين الحيض وأقله ومسائل المتحيرة، فهذا من أندر الموجود، ومتى توجد امرأة لا تحيض إلا يومًا؟ وإنما في ذلك حكايات قليلة جدًا، مع العلم بأن عامة بنات آدم يحضن كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن هذا شيء كتبه الله على بنات آدم)) (٢). وكذلك متى


(١) جامع بيان العلم وفضله، ابن عبد البر، باب من يستحق أن يسمى فقيهًا (١٥٢٤).
(٢) متفق عليه، أخرجه البخاري في كتاب الحيض، باب كيف كان بدء الحيض (٢٩٤)، ومسلم في كتاب الحج، باب بيان وجوه الإحرام (٢٩٧٦).

<<  <   >  >>