يدل على ذلك النقل عنهم في كتبهم والتصدي لدفع شبههم، وأعجب من ذلك تجاوزهم إلى النظر في كتب غير أهل الإسلام، فإني وقفت على مؤلف للقرافي رد فيه على اليهود شبهًا أوردوها على الملة الإسلامية، لم يأت في الرد عليهم إلا بنصوص التوراة وبقية الكتب السماوية، حتى يظن الناظر في كتابه أنه كان يحفظها عن ظهر قلب، ثم هم مع ذلك ما أخلوا في تثقيف ألسنتهم وترقيق طباعهم من رقائق الأشعار ولطائف المحاضرات، ومن نظر ما دار بين المصنف رحمه الله وبين عصريه الأديب الصلاح الصفدي من المراسلات البليغة والأشعار الرقيقة علم أنه رحمه الله ممن يخضع له رقاب البلغاء وتجري في مضماره سوابق الأدباء، وكذا ما دار بين سلطان المحدثين الحافظ ابن حجر العسقلاني ومن عاصره من فحول الأدباء من لطائف الأشعار والنكات الأدبية، وكذا العلامة الدماميني، بل وبين الحافظ السيوطي والسخاوي من المناقضات وما ألفه من المقامات، وفيما انتهى إليه الحال في زمن وقعنا فيه، علم أن نسبتنا إليهم كنسبة عامة زمانهم، فإن قصارى أمرنا النقل عنهم بدون أن نخترع شيئًا من عند أنفسنا، وليتنا وصلنا إلى هذه المرتبة بل اقتصرنا على النظر في كتب محصورة ألفها المتأخرون المستمدون من كلامهم، نكررها طول العمر ولا تطمح نفوسنا إلى النظر في غيرها، حتى كأن العلم انحصر في هذه الكتب، فلزم من ذلك أنه إذا ورد علينا سؤال من غوامض علم الكلام تخلصنا عنه بأن هذا كلام الفلاسفة ولا ننظر فيه، أو مسألة أصولية قلنا لم نرها في جمع الجوامع فلا