للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

التوسط بين الخلق إذا تنازعوا بحكم الشهوات. فكان الفقيه معلم السلطان ومرشده إلى طريق سياسة الخلق وضبطهم؛ لينتظم باستقامتهم أمورهم في الدنيا) (١).

أما الخِلْو من كل ذلك فهو حامل فقه وليس بفقيه، وأني للعريِّ من قوانين السياسة أن يسوس الحياة بقوانين الدين؟ وكيف يتهيأ لمن يعتزل الحياة أن يفهمها فضلًا عن أن يفتي فيها؟

يقول خير الدين التونسي (ت ١٣٠٧ هـ): (وأنت إذا أحطت خبرًا بما قررناه علمت أن مخالطة العلماء لرجال السياسة بقصد التعاضد على المقصد المذكور من أهم الواجبات شرعًا؛ لعموم المصلحة وشدة مدخلية الخلطة المذكورة في اطلاع العلماء على الحوادث التي تتوقف إدارة الشريعة على معرفتها، ومعلوم أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. وبيان ذلك أن إدارة أحكام الشريعة كما تتوقف على العلم بالنصوص تتوقف على معرفة الأحوال التي تعتبر في تنزيل تلك النصوص، فالعالم إذا اختار العزلة والبعد عن أرباب السياسة فقد سدَّ عن نفسه أبواب معرفة الأحوال المشار إليها، وفتح أبواب الجور للولاة) (٢).

والكثير من التصورات المغلوطة عن الفقه والفقهاء إذا تأملناها وفحصنا عن أمرها وجدناها ناتجة عن عدِّ حملة الفقه من الفقهاء، واعتبار كتاباتهم إنتاجًا فقهيًا أصيلًا، مع أن الذين هم


(١) إحياء علوم الدين (١/ ٦٧).
(٢) أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك (٤١)

<<  <   >  >>