للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

لأحوال الناس واهتماماتهم، ولسوف يأتي مزيد بيان لهذا المعنى لاحقًا.

ومشاركة الفقيه لا تعني مطالبته بتشتيت همته بين العلوم، ولا أن يكون صاحب معرفة موسوعية، بل القصد أن يكون له من الاطلاع والمعرفة ما يتمكن به من التسلط على ما تقوم به حاجة إليه في اشتغاله واجتهاده، فيتعامل مع سائر العلوم بطريقة وظيفية تمكنه من الانتفاع بها والإفادة منها (١).

إن التساهل في شرط الفقيه لهو من أكبر أسباب الهزال والضعف في الإنتاج الفقهي، ومن أكبر أسباب انتقاص الفقهاء والتعدي على مكانتهم والجرأة على وظائفهم. وقديمًا شكا القاضي الجرجاني (ت ٣٩٢ هـ) فقال في عزة وتوجع:

ولم أقضِ حقَّ العلم إن كان كلَّما... بدا طمعٌ صيَّرتُه لي سُلَّما

إذا قيل هذا منهل قلت قد أرى... ولكنَّ نفس الحر تحتمل الظما

ولم أبتذل في خدمة العلم مهجتي... لأَخم من لاقيت لكن لأُخدما

أأشقى به غرسًا وأجنيه ذلةً... إذا فاتِّباع الجهل قد كان أحزما

ولو أنَّ أهل العلم صانوه صانهم... ولو عظموه في النفوس لعَظَّما

ولكن أهانوه فهان ودنسوا... محياه بالأطماع حتى تجهما

وعقَّب التاج السبكي (ت ٧٧١ هـ) على هذه الأبيات فقال: (وهكذا فليكن وإلا فلا أدب كل فقيه) (٢).


(١) انظر: منهاج تدريس الفقه دراسة تاريخية تربوية، د. مصطفى صادقي (٢٤٩).
(٢) طبقات الشافعية الكبرى (٣/ ٤٦١)، وقد تتبع الشيخ عبد الفتاح أبو غدة روايات هذه القصيدة العصماء، وساقها في مساق واحد في كتابه: صفحات من صبر العلماء على شدائد العلم والتحصيل (٣٥٢).

<<  <   >  >>