للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ومن أمثلة ذلك ما يجري من بعض الفقهاء من تضعيف الأقوال والترجيح بينها بناءً على ما يذكره متأخرو الفقهاء في مصنفاتهم من الاستدلال لمذاهب أئمتهم، فيصححون ويضعفون بناءً عليها، مع أن دليل إمام المذهب ربما كان غير ما يذكره أصحابه، والفقيه الممارس لأقوال الإمام والخبير بها ربما عرف مذهبه أو دليله من أصوله، وقد سبق قول شيخ الإسلام ابن تيمية (ت ٧٢٨ هـ): (إذ الرجل قد يكون يرى مذهب بعض الأئمة، وصار ينقل أقواله في تلك المسائل، وربما قرَّبها بدليل ضعيف من قياس أو ظاهر) (١). وقد أشار الإمام البيهقي (ت ٤٥٨ هـ) إلى هذا المعنى في كتابه ((بيان خطأ من أخطأ على الشافعي)) ونقله عن الإمام مسلم بن الحجاج (ت ٢٦١ هـ) في كتابه ((الانتفاع بأهب السباع)).

يقول الحافظ البيهقي: (وقال مسلم: ثم أقبل صاحب الوضع في جلود السباع والميتة يعطف على الشافعي محمد بن إدريس، يعبره بالرواية عن أقوام فيقول: لو أن الشافعي اتقى حديث فلان وفلان من الضعفاء، لكان ذلك أولى به من اتقائه حديث عكرمة الذي أجمع عامة أهل العلم على الاحتجاج بحديثه. قال مسلم: والشافعي لم يكن اعتماده في الحجة للمسائل التي ذكر في كتبه تلك الأحاديث في أثر جواباته لها، ولكنه كان ينتزع الحجج في أكثر تلك المسائل من القرآن والسُّنِّة


(١) الاستقامة (١/ ٥٥). وانظر: أثر الحديث الشريف في اختلاف الأئمة الفقهاء، محمد عوامة (١٤١).

<<  <   >  >>