(٢) إن من أعظم ما يحقق الفائدة من الصلاة والذكر ويَعْظمْ به أجْرُهما حضور القلب واستشعار المعاني (٣) إن عدم البدء والتركيز على تربية الإيمان وتقوية العقيدة في الله والدار الآخرة بين المدعوين, وفي المقابل التركيز فقط على النهي والأمر يؤدي إلى نفورهم وعدم استجابتهم,.. فَتَمَكُّنْ العقيدة والإيمان في النفوس هو الذي سيجعلها بإذن الله تستجيب لأوامر الشرع, كما حصل مع الصحابة رضوان الله عليهم, فبعد أن تَرَبَّى الإيمان والعقيدة والتطلع إلى الآخرة فيهم في الفترة المكية من الدعوة, أتت الأوامر والأحكام الشرعية في الفترة المدنية فنفذوها مباشرة بلا أي تلكؤ, لأنهم عرفوا أنها أوامر العظيم رب الكون الذي مُلئت نفوسهم بمحبته, وبالإيمان بعظمته, وما عنده من الأجر الكبير لمن اتبع وأطاع, وما عنده من العذاب الشديد لمن عصى وعاند. وعموماً فالطريق الدعوي الفعال الأقوى للتأثير على الناس ونقلهم بإذن الله إلى الالتزام بالدين هو معايشتهم والاحتكاك المستمر بهم وتقوية إيمانهم وعقيدتهم والإحسان إليهم لا مجرد الإنكار عليهم (٤) ليتنا ونحن في طريق الدعوة نتذكر الأهداف والأولويات!! , حتى لا نغرق في وسيلة ونهتم بها حتى تصبح وكأنها هدف ونقدمها على الأهداف الحقيقية, أو حتى لا نقدم الأقل أهمية على الأهم منه. فمثلاً ليس الهدف الأساس للدعوة ازدياد معلومات المسلمين الفقهية - وإن كانت أمراً هاماً ووسيلة ضرورية لتحقيق معرفة المسلمين لأحكام الدين التي يجب عليهم معرفتها- فالهدف الأساس في الدعوة هو عودة الأمة إلى حقيقة الدين والصدق في تطبيقه والالتزام بأوامره في كل الأمور, وكمثل آخر ليس الهدف الأهم الأساس حفظ كتاب الله (مع جلالة هذا العمل العظيم) ولكن الأهم هو تطبيق الأفراد والمجتمعات لأوامر القرآن ونهجه, وتربيهم على معانيه وقيمه, (أيضاً المواضيع الفكرية هي وسيلة لا غاية!!) .وهذا يُذكرنا بأهمية أن يستفيد الدعاة من أفكار ومبادئ الإدارة التي تساعد على تقوية ملكات تقدير الأهداف والأولويات, وتقييم وتحسين!! الإنتاجية!!!! , والبحث عن الطرق الأكثر فاعليةً!!.وبمناسبة ذكر الاستفادة من العلوم الإدارية فأحب أن أذكر بالفائدة الكبيرة بإذن الله للخطباء والدعاة من معرفة ودراسة مهارات الإلقاء والاتصال والحوار (تقدم بعض المؤسسات الدعوية أو التدريبية دورات جيدة في هذا الجانب) , وأيضا معرفة القواعد التربوية المتعلقة بتغيير السلوك مثل ما يتعلق بالمعرفة والتوجهات وعلاقتها بتغيير السلوك (وأن المعرفة وحدها لا تكفي عادةً للتغيير) . (٥) (أ) من الأولويات والأمور الأهم التي تفوت علينا أحياناً مسألة التذكير بالتوبة في مواسم الخير مثل شهر رمضان والعشر الأواخر فيه وعشر ذي الحجة وغيرها, حيث نجد التذكير مركزاً على الازدياد في النوافل والسنن والأذكار والصدقات وفضائل الأعمال, ويقل التركيز على التذكير بالتوبة والبعد عن المعاصي وأداء الواجبات المفروضة مع أنها أهم الأعمال وأحب الأعمال إلى الله, خاصة في هذا الواقع الذي بعدت فيه الأمة وتهاونت في كثير من الأحكام الواجبة وانتشرت فيه الكثير من المعاصي, فكما ورد في الحديث القدسي الصحيح: (وما تقرب إلي عبدي بشيءٍ أحب إليَّ مما افترضته عليه..) صحيح البخاري, وفي الحديث أيضاً قوله صلى الله عليه وسلم: (اتق المحارم تكن أعبد الناس) «حسنه الألباني في صحيح الترمذي, وفي الأثر عن ابن عمر رضي الله عنه: (لرد دانق من حرام أحب إلى الله من إنفاق مائة ألفٍ في سبيل الله) . أيضاً يفوت علينا أحياناً التذكير بالتوبة والالتزام بأوامر الدين عند الحديث عن حِكَمِ بعض العبادات مثل الحج والعمرة, والأضحية!! , وصيام رمضان, وقراءة القرآن وواجبنا تجاهه, وصيام التطوع في مواسمه المختلفة, والأذكار وغير ذلك, مع أن التوبة من أعظم وأهم حكم هذه العبادات. بل إن التركيز في المواسم على فضائل الأعمال, والتركيز على حكم العبادات بدون التذكير بالتوبة قد يؤدي إلى تكريس رضا الأمة بواقعها الذي بعد كثيرا عن الالتزام الكامل بالدين, بحيث يمكن أن يتربى في فكر الفرد المسلم (بشكل غير مباشر) أنه يكفيه أن يتقرب إلى الله بفضائل الأعمال في المواسم وغيرها بينما هو مستمر في إصراره على ذنوب لا يرضاها الله سبحانه وتعالى, أي تحصل لديه اتكالية كبيرة على فضائل الأعمال التي يقوم بها, (ومن المهم أن تُذكّر أمتنا بأن من علامات قبول الأعمال التوبة والأوبة بعدها) . (ب) أيضاً عندما يتحدث داعية لأفراد مجتمعاتنا في هذه الأيام عن حديث البطاقة بدون أن يتكلم عن شروط لا إله إلا الله, ... أو يُذَكِّر في موعظة عن سعة رحمة الله ومغفرته بدون أن يستدرك في الأخير وينبه أن سعة رحمة الله يجب أن لا تنسينا أنه سبحانه شديد العقاب؛ فتزيد بذلك الاتكالية!. (ج) ومثل آخر على تفويت الأولويات وموازنتها أن نجد بعض الأفاضل ممن لا نشك كما نحسبهم في مدى تقواهم وصدقهم فتجدهم يجتهدون ويبذلون الأموال من أجل الاعتكاف في الحرم الشريف في العشر الأواخر ويفوت عليهم سعيهم لدعوة أهلهم وأقربائهم في موسم العيد (بتجهيز وشراء ما يمكن أن يوزع عليهم من وسائل الدعوة في فترة العيد, أو بغير ذلك من طرق ووسائل الدعوة) مع أن الدعوة والبذل لها واجب أهم من الاعتكاف. (د) ومثل آخر على تفويت الأولويات ما يحدث أحياناً من حماس لتوزيع أشرطة أو كتيبات أو مطويات أو أي وسيلة أخرى لا تتحقق فيها الأولوية الدعوية من حيث أثرها في الدعوة وإحداث التأثر والتوبة والتغيير لديهم على حساب الأشرطة والوسائل الأهم في التذكير والإصلاح. فتوزيع ما يحوي قصص التائبين ووصف الجنة وأحوال الآخرة والتذكير بعظمة الله ومعاني!! العقيدة أهم وأكبر أثراً من توزيع ما يتعلق بفتوى عن قضية محددة أو الأذكار (مع عدم إنكار أهمية توزيع كل ما ذكر, ولكن المسألة هي على ماذا نركز ونبذل الجهد الأكبر) ,........ وللجمع بين الخيرين!! فليتنا مثلاً عندما ننشر كتيبا عن الأذكار نضيف فيه (في باطن غلافه أو صفحته الأولى أو الأخيرة) كلمة أو قصة تذكيرية عن التوبة (وبالذات القصص أو كلمات التائبين, فلها أثر عظيم وقد اهتدى أناسٌ كثيرون بسببها) . (هـ) أيضاً عندما نقدم بعض أنواع النوافل على عمل فيه خدمة للآخرين وإسعاد لهم, فالأخير هو الأهم وأجره أكبر. (٦) قد نسرف أحياناً في واجب دعوي على حساب واجبات أخرى هامة أو أهم, ولعل من أمثلة ذلك ما قد يحدث في إسراف في الوقت المعطى للدعوة عن طريق الإنترنت على حساب واجبات أخرى,.. وأيضاً إنكار المنكرات فعلى الرغم من أهميته إلا أنه يجب الانتباه إلى أن لا ننشغل أكثر من اللازم في إنكار منكر معين فيشغلنا ذلك عن منكرات أخرى أهم, أو عن واجبنا الدعوي التربوي الذي هو الأكبر فعالية في الإصلاح. بل يبدو لي أحياناً أن بعض المفسدين قد يفرحون بانشغال الدعاة انشغالاً أكثر من اللازم في إنكار منكر (وقد يكونوا قصدوا ذلك الإشغال) , فحتى الكثير من أعداء الدين يعلمون بأهمية وفعالية العمل الدعوي التربوي فيفرحون بانشغالنا عنه, وباختلاط الأولويات علينا. (٧) يكفي دليلاً على أهمية تقديم الرفق أمر الله تعالى لموسى وهارون عليهما السلام بأن يخاطبوا الطاغية فرعون بالقول اللين ليكون ذلك الأسلوب عوناً على الهداية, فأسلوب الشدة غالباً ما يعين الشيطان ليحرف الإنسان ويعوقه عن الاستجابة للحق فقولا له قولًا لينًا لعله يتذكر أو يخشى (طه:٤٤) . وأسلوب الشدة يجعلنا نكسب!! عداوة الكثيرين,.. في الوقت الذي نحن بحاجةٍ إلى أن نجعل كل مسلم وكل ضالٍ مع الحق لا عليه!!! (٨) من العبارات التربوية الجميلة القيمة التي ينبغي أن نستفيد منها في الدعوة وعندما نناقش ونحاور عبارة: «إن كسب القلوب أهم من كسب المواقف» , وهي منقولة من كتاب رائع وقيم ينصح جداً بقراءته وعنوانه «أصول الحوار» صدر من الندوة العالمية للشباب الإسلامي. (٩) من المؤلم ما نراه أحيانا من انشغال بعض الدعاة والمصلحين والغيورين والأخيار الأفاضل بالرد على خطأ أو وجهة نظر أخرى من دعاة آخرين بطريقة غير مقبولة, أو بإعطاء الموضوع أكثر مما يستحق, ولا نقول أن يقفل باب التناصح والرد على الأخطاء, ولكن ليعطى كل شيء حقه وبالطريقة المناسبة وبدون أن يحمل الموضوع أكثر مما يحتاجه, وبدون أن ننسى فضل وخير من يُنتقدون, خاصة إذا كانوا ممن نفع الله بهم الأمة كثيرا. وأيضا على الناقد أن يتأكد أولا, فقد يكون الرأي الآخر صواباً أو يعذر فيه صاحبه, وخاصة أن أهواء النفوس تدخل في مثل هذه الأمور حتى بدون أن يشعر الإنسان بها. وليس من الصحيح أن يصبح ذلك جل همنا, فمحاربو الدين ومضيعوه هم الأولى بالوقوف في وجههم, بل هم من أهم أسباب الواقع البعيد عن الدين وعن المنهج الحق الذي نعيشه, والذي من آثاره حدوث تفرق في الأمة, واجتهادات مختلفة للدعاة والمصلحين, قد يحدث الخطأ في بعضها. بل وحتى الكثير من الفاسدين المفسدين والكثير من المنحرفين والمخطئين في فكرهم وتوجهاتهم يحسن أن يُرفق بهم وأن يُدعوا باللين والحسنى في أحيانٍ كثيرة عند دعوتهم, فبعضهم ليس خبيث النفس سيء النية, ولكنها الغفلة والبعد والضياع والتناقض الذي تعيشه أمة الإسلام في عصرنا (ونأمل أن يهتدي الكثير منهم ليقفوا معنا ضد الكفار المحاربين) ,....فكيف بمن يكون أخاً لنا في الدعوة ويضحي بالكثير من أجلها. ويجب أن نحذر بشدة في هذا الموضوع لأنه لا شك أن الشيطان الرجيم يدخل في مثل هذه الأمور ويقويها, وأيضا شياطين الإنس وأعداء التدين وأعداء الإسلام يسرون جدا من ذلك, بل هو من أسعد الأمور إلى قلوبهم أن يروا الدعاة والمصلحين والغيورين والأخيار مشغولين ببعضهم البعض, ويعطل بعضهم خير بعض. وإن مثل ذلك مثل أخوين في غابة مليئة بالسباع يفترض أن يكونا في غاية الحب والعون لبعضهما, فإذا بهما يتقاتلان بينما السباع تقترب منهما! ... فلنتق الله ولنحذر من أن نكون سببا في استمرار جراح الأمة وتعطيل الدعوة وتأخير النصر. (١٠) كثيرا ما نجامل!! بعضنا بعضاً وفي أمور يضيع فيها الوقت بل والمال أحياناً فيما ليس له ضرورة أو أولوية دعوية! , فليتنا نقلل من ذلك, ولنتقي الله في أوقاتنا, ... وليعذر الواحد منا الآخر في هذه الأمور, ولنشجع بعضنا بعضاً على التقليل من ذلك