للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أما في السُّنَّة الشريفة فهي بيان للقرآن الكريم، وتفصيل لما فيه، فهي تحتوي على درجات الإيمان كلها، وكذلك مراتب الكفر كلها، فقد يأتي القول فيها عن الكفر ويراد به الكفر الأصغر وقد يراد به الأكبر. ودليل ذلك: ما رواه البخاري ومسلم عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يامعشر النساء تصدقن وأكثرن الاستغفار فإني رأيتكن أكثر أهل النار، فقالت امرأة منهن جزلة وما لنا يا رسول الله أكثر أهل النار؟ قال: تكثرن اللعن وتكفرن العشير وما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب منكن.." (١) الحديث.

وقد ترجم البخاري لهذا الحديث تحت عنوان "كفر دون كفر" وعنى بذلك الكفر الأصغر الذي لا يخرج من الملة. ويقول النووي فيه: "وفيه إطلاق الكفر على غير الكفر بالله تعالى ككفر العشير والإحسان والنعمة والحق" (٢) فقد جاء الكفر في الحديث بمعنى كفر العشير أي غمطه حقه.

والقاعدة في ذلك أن اللفظ يؤخذ على ظاهره ما لم تصرفه قرينة، فإن وجدت قرينة تدل على صرف لفظ الكفر في الحديث عن معناه الأصلي وهو الكفر الأكبر، أمكن المصير إلى أنه كفراً أصغر لثبوت إمكان ذلك في السُّنَّة الشريفة.

ومثال ذلك:

قوله صلى الله عليه وسلم: "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر" (٣) .

وقوله صلى الله عليه وسلم: ".. لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض" (٤) .

فيجمع مع قوله تعالى: "وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا.." الآية. فيدل على أن مجرد الاقتتال لا يوجب الكفر، فيحمل اللفظ في الحديث على الكفر الأصغر أو المعصية المغلظة، وإنما يكون كفراً أكبر إن استحل المقاتل قتال المسلمين وقتلهم.


(١) رواه البخاري ومسلم واللفظ له، راجع شرح النووي جـ ٢ ص ٦٥.
(٢) مسلم شرح النووي جـ ٢ ص ٦٧.
(٣) رواه مسلم.
(٤) رواه مسلم.

<<  <   >  >>