فالإسلام قد نزل إلى أمة أمية جد قليلة الحظ - إن لم تكن معدومة - من الفلسفة والمنطق وغيرهما من العلوم العقلية البشرية التي ضررها أكثر من نفعها، ولم يكن الجدل العقلي معروفاً لديهم، إلا السوفسطائية المحطمة للحقائق، الملبسة الحق بالباطل، والمزينة الباطل بالحق، فاستنقذ الإسلام هذه الفطر من ركام الجاهلية التي كانت ترون عليها، وصحح مسار الفكر فيها، وكان النبع الصافي والمورد الوحيد لتصوراتهم وفهمهم هو القرآن الكريم وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم الفهم المستقيم المبني على الفطرة السليمة.
فلما كان عصر الفتوحات، وانتقلت وسائل العلم الغريبة عن القرآن ومنهجه - كالفلسفة - وكثير الجدل وبدأ النزاع والاختلاف وظهر علم الكلام، انحرفت الفطر، ونشأت الفرق التي فرقت دين الله بآرائها وأفكارها ومناهجها السقيمة الغريبة عن منهج القرآن في تناول الأمور.
وما كان دين الله في نفوس المؤمنين الأوائل بهذا الشكل المنحرف، بل كان الإسلام واضحاً في أذهانهم وقلوبهم، بحس سليم وفهم مستقيم المسلم من غيره دون الحاجة إلى مراجعة المراجع وتسطير الصفحات. فيصيبون حيث يخطأ الآخرون.