(٢) وهو المعنى الذي نبهنا عليه سابقاً من أنه إذا اعتبر "الاعتقاد" هو قول القلب لزم أن يكون "قول القلب" يشمل التصديق والانقياد. (٣) الزمر ٢٣. (٤) الحجرات ١٥. (٥) رواه البخاري ومسلم. (٦) وننبه هنا إلى أمرين: أولهما: أن النطق بالشهادتين المعتبر شرعاً هو المستلزم لمعرفة معناهما وتحقيق لوازمهما مع ترك ما يناقضهما، وليس هو مجرد النطق اللفظي فقط كما سنبين في الفصل الثاني من الباب الثالث، وإلا فإن الجهل بمعناهما يتنافى كلية مع معنى قول القلب السابق لقول اللسان، والذي أجمع العلماء على اعتباره ركن الإيمان، إذ كيف يجتمع الجهل بالشئ مع تصديقه والإقرار به؟! ويرجع في هذا تفصيلا لكتابنا عن عارض الجهل في الشريعة المسمى "الجواب المفيد".
ثانياً: أن المراد بالنطق بالشهادتين هو ظهور دلالة الإسلام، فإن إسلام الفارسي الذي لا يتكلم العربية يتحقق بمجرد إعلانه الإستسلام بلفظ "ميتراس" أي أسلمت، وأي دلالة على الإسلام تكون معتبرة طالما أنها تكفي للتدليل على الإنخلاع من الشرك والتبري من دين الكفر، فإن قول الشهادة يكون معتبراً في بعض الحالات كحالة عباد الأوثان فإنه يكتفي منهم بقول لا إله إلا الله لأنهم لم يكونوا عليها قبل الإسلام، وأما أهل الكتاب المعتقدين لرسالة محمد صلى الله عليه وسلم إلى العرب فلا يكتفى بنطقه الشهادتين منهم بل لابد من أن ينضم إليهما قول "إلى العرب العالم كافة" يقول الإمام النووي في شرحه على مسلم: "ذكر القاضي عياض معنى هذا وأوضحه، فقال اختصاص عصمة المال بالنفس بمن قال لا إله إلا الله تعبير عن الإجابة إلى الإيمان. وأن المراد بهذا مشركو العرب وأهل الأوثان ومن لا يوحد وهم كانوا أول من دعى إلى الإسلام وقوتل عليه فأما غيرهم ممن يقر بالتوحيد فلا يكتفي في عصمته بقول لا إله إلا الله إذ كان يقولها في كفره وهي من اعتقاده، ولذلك جاء في الحديث الآخر وأني رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة"اهـ. كلام القاضي شرح النووي على مسلم جـ١ ص ٢٠٧. كما نص على هذا المعنى ابن قدامة المقدسي في المغني، قال: "والثانية" أنه إن كان مقراً بالتوحيد كاليهود حكم بإسلامه لأن توحيد الله ثابت في حقه وقد ضم إليه الإقرار برسالة محمد صلى الله عليه وسلم فكمل إسلامه، وإن كان غير موحد كالنصارى والمجوس والوثنيين لم يحكم بإسلامه حتى يشهد أن لا إله إلا الله وبهذا جاءت أكثر الأخبار وهو الصحيح لأن من جحد شيئين لا يزول جحدهما إلا بإقراره بهما جميعاً، وإن قال أشهد أن النبي رسول الله لم يحكم بإسلامه لأنه يحتمل أن يريد غير نبينا ... وعن عمران بن حصين قال: أصاب المسلمون رجلاً من بني عقيل فأتوا به النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد إني مسلم فقال صلى الله عليه وسلم "لو كنت قلت وأنت تملك أمرك أفلحت كل الفلاح" رواه مسلم ويحتمل أن هذا في الكافر الأصلي أو من جحد الوحدانية، أما من كفر بجحد نبي أو كتاب أو فريضة ونحوها فلا يصير مسلماً بذلك – أي بقوله إني مسلم أو نطقه بالشهادتين – لأنه ربما اعتقد أن الإسلام ماهو عليه، فإن أهل البدع كلهم يعتقدون أنهم هم المسلمون ومنهم من هو كافر"اهـ. المغني جـ٨ص١٤٣. ويراجع في نفس المعنى بدائع الصنائع للكاساني جـ٩ص٤٣١٢، فهذا المعنى متواتر في كتب الفقه والعقائد بأجمعها على اختلاف مذاهبها – فابن قدامة حنبلي والنووي شافعي والقاضي عياض مالكي والكاساني حنفي – والشاهد فيه أن نطق الشهادتين باللسان إنما هو معتبر في حالة دلالته على الإسلام، وليس في كل حالة على الإطلاق، والحديث مبسوط في هذا الأمر في كتابنا عن "التوحيد" وغيره فارجع إليه.