(٢) الشورى ١٥. (٣) الأنعام ٥٢. (٤) الإنسان ٩. (٥) الأنفال ٢٨. (٦) متفق عليه. (٧) وقد خالف في هذا – أي إدخال أعمال الجوارح في مسمى الإيمان – بعض فقهاء الكوفة كأبي حنيفة وغيره، ومدار خلافهم في أمرين: (أ) أن مسمى الإيمان يشمل القول دون العمل. (ب) إن الإيمان – بمعناه عندهم – لا يزيد ولا ينقص. فنقول وبالله التوفيق قالوا "إن مسمى الإيمان لا يدخله عمل الجوارح، وجعلوه بذلك مرادفاً للتصديق وهو تصديق مخصوص مستلزم للإقرار والانقياد كما سيتضح بعد فيما سننقله عن أئمتهم في معناه – فلاحظوا بذلك المعنى اللغوي – كما أثبتوه – دون المعنى الشرعي كما قال شارح الطحاوية: "فالإمام أبو حنيفة رضي الله عنه نظر إلى حقيقة الإيمان لغة مع أدلة من كلام الشارع وبقية الأئمة رحمهم الله نظروا إلى حقيقته في عرف الشرع فإن الشرع ضم إلى ذلك – التصديق- أوصافاً وشرائط". شرح الطحاوية ص ٢٤١. وقد استدلوا على ذلك بأدلة تدل على أن الإيمان هو التصديق دون العمل كقوله تعالى (وما أنت بمؤمن لنا) أي مصدق لنا كما دللوا بمبانيه الإيمان للأعمال الصالحة في التعبير القرآني على افتراقهما في المعنى كقوله تعالى "الذين آمنوا وعملوا الصالحات" فالأعمال إذن ثمرة من ثمرات الإيمان وليست لازماً من لوازمه، ثم كان من نتيجة هذا النظر أن كان الإيمان – في مصطلحهم – لا يقبل الزيادة ولا النقصان، وإنما تتفاوت مراتب اليقين القلبي، وأما أصل الإيمان – التصديق – فهو مرتبة محفوظة. وننقل هنا من أقوال أئمة الأحناف ما يدل على ما ذكرناه. يقول شارح الفقه الأكبر: " (وإيمان أهل السماء والأرض) أي من الملائكة وأهل الجنة والأنبياء والأولياء وسائر المؤمنين من الأبرار والفجار (لا يزيد ولا ينقص) أي من جهة المؤمن، نفسه، لأن التصديق إذا لم يكن على وجه التحقيق يكون في مرتبة الظن والترديد، والظن غير= = مفيد في مقام الاعتقاد عند أرباب التأييد قال تعالى (إن الظن لا يغني من الحق شيئاً) فالتحقيق أن الإيمان كما قال الإمام الرازي لا يقبل الزيادة والنقصان من حيث أصل التصديق لا من جهة اليقين فإن مراتب أهلها مختلفة في الدين". شرح الفقه الأكبر لملا علي القاري ص٧٠. وراجع التفسير الكبير للرازي جـ٢ص٢٦. ثم يقول بعدها: "وهذا معنى ما ورد لو وزن إيمان أبي بكر الصديق رضي الله عنه بإيمان جميع المؤمنين لرجح إيمانه يعني لرجحان إيقانه ووقار جنانه وثبات إتقانه وتحقيق عرفانه، لا من جهة ثمرات الإيمان من زيادات الإحسان لتفاوت أفراد الإنسان من أهل الإيمان في كثرة الطاعات وقلة العصيان وعكسه في مرتبة النقصان مع بقاء أهل وصف الإيمان في حق كل منهما بنعت الايقان، فالخلاف لفظي عند أرباب العرفان" السابق ص ٧٠. ويقول صاحب "فيض الباري" العلامة الكشميري: "وأثبت شئ في هذا الباب عقيدة الطحاوي فإنه كتب في أوله أنه يكتب فيه عقائد الإمام أبي حنيفة رحمه الله تعالى وأبى يوسف رحمه الله تعالى، وأحسن شروحه شرح القونوى وهو حنفي المذهب تلميذ ابن كثير ويستفاد منه أن الإمام رحمه الله تعالى إنما نفى الزيادة والنقصان في مرتبة محفوظة كما سيأتي ولا ينفي مطلقاً" فيض الباري شرح البخاري جـ١ص٦٠. وتعليقاً على ذلك نقول: إنه بالنسبة لمسألة دخول الأعمال في مسمى الإيمان فإن الحق – والله أعلم – في جانب جمهور أهل السنة والجماعة الذين اعتبروا إن الإيمان قول وعمل، فالأعمال داخلة في مسماه، فإنه من المقرر في علم الأصول أن اللفظ إن كان له استعمالان لغوي وشرعي قدم المعنى الشرعي على اللغوي. (راجع الموافقات جـ٢ص٢٦٨ وبعدها) . وأما عن مباينة الأعمال الصالحة للإيمان في التعبير القرآني فقد أوضح الإمام ابن تيمية أن ذلك إنما هو من قبيل عطف الخاص على العام كما في قوله تعالى: (من كان عدواً لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين) البقرة ٩٨ ومثاله كثير في القرآن. كما رد ابن تيمية تفصيلاً على ما ذهبت إليه هذه الطائفة من الفقهاء في كتاب "الإيمان" بأكثر من ستة عشر وجهاً فارجع إليها ص٢٤٧ وبعدها، ص٥١ وبعدها وإنما مرادنا هنا هو إثبات ما ذهب إليه جمهور أهل السنة في هذا الأمر والمهم هنا هو أن نبين كذلك أنه وإن كان أبو حنيفة قد قصر لفظ الإيمان على التصديق – الذي هو تصديق مخصوص كما سنبينه بعد – فإنه متفق مع أهل السنة جميعاً على ترتيب الثواب والعقاب على الأعمال – وهو ما فارقته فيه المرجئة – سواء فعلها أو تركها فهم في ذلك سواء. يقول ابن تيمية: "ومما ينبغي أن يعرف أن أكثر التنازع بين أهل السنة في هذه المسألة هو نزاع لفظي وإلا فالقائلون بأن الإيمان قول من الفقهاء كحماد بن أبي سليمان – وهو أول من قال ذلك ومن اتبعه من أهل الكوفة – وغيرهم متفقون مع جميع علماء السنة على أن أصحاب الذنوب داخلون تحت الذم والوعيد وإن قالوا إن إيمانهم كامل كإيمان جبريل فهم يقولون إن الإيمان بدون العمل المفروض ومع فعل المحرمات يكون صاحبه مستحقاً للذم والعقاب كما تقوله الجماعة..." الإيمان ص٢٥٥. كذلك فإن الحنفية قد جعلوا كثيرا من الأعمال من شرائط الإيمان ومستلزماته، وجعلوا من لم يأتي بها كافراً، بل توسعوا في ذلك عن سواهم من المذاهب، قال صاحب الفقه الأكبر" "... وفي الخلاصة من وضع قلنسوة المجوس على رأسه قال بعضهم يكفر، وقال بعض المتأخرين إن كان لضرورة برد.. لا يكفر الإيمان وإلا كفر"جـ١٥٥. وكذلك: "وفي الخلاصة من أهدى بيضة إلى المجوسي يوم النوروز كفر أي لأنه أعانه على كفره وإغوائه أو تشبه بهم في أهدائه.." إلى غير ذلك كثيراً جداً من الأعمال التي نصوا على كفر فاعلها أو على كفر من لم يتركها "إن كانت من أعمال المشركين" فهم وإن جعلوا الإيمان "التصديق" إلا أن ذلك خلاف لفظي لأن من الأعمال عندهم – بل أكثر مما هي عند غيرهم – ما يكفر فاعله ويخرج عن الملة مطلقاً، ونظرة في كتب فقه الحنفية تؤكد ذلك مما لا يدع مجالا للشك (راجع شرح الفقه الأكبر، الإعلام بقواطع الإسلام للهيثمي) . وأما بالنسبة لمسألة التصديق ومعناه والمراد منه، فقد ذكرنا من قبل أن الأحناف وإن اعتبروا أن الإيمان هو التصديق إلا أنهم جعلوا الإقرار من لوازمه. = فمدار النجاة عندهم – كمداره عند أهل السنة جميعاً – على الالتزام بالطاعة – كما سيتبين بعد في مفهوم الالتزام عند أهل السنة – مع ترك أعمال الشرك جملة، ولم يجعلوه كما يعتقد بعض مرجئة العصر الحديث – هو مجرد نسبة الصدق إلى الخبر أو المخبر، فإن هذا الأمر مما لا يختلف فيه بين أبي حنيفة وبقية الأئمة لمساسه بأصل الدين ومدار النجاة من الكفر المخلد في النار وهذا ما عناه الإمام الكشميري في "فيض البارى" حيث ذكر أن الخلاف بين أبي حنيفة وبقية الأئمة – وإن لم يكن نزاعاً لفظياً في رأيه – إلا أنه اختلاف في جهة النظر ولكن مدار النجاة عندهم واحد يقول: "ومن ههنا علمت أن الاختلاف ليس من باب الاختلاف في الأنظار بمعنى أن هذا مؤد إلى طرف صحيح وهذا أيضاً لطرف آخر صحيح وعند كل حصة صحيحة، والناتج عند كل واحد ناج عن الآخر وكذلك الهالك عند واحد هالك عند الآخر" فيض البارى جـ٢ص٦٣. وهذا الذي أشار إليه العلامة الكشميري هو ما نريد أن نؤكد عليه هنا، فإن خلاف أبي حنيفة وأصحابه مع بقية أهل السنة إنما هو خلاف لفظي يتناول مدلولات الألفاظ أو خلاف في الأنظار يصل إلى طرف صحيح، وإنما المهم هو أن القدر اللازم للنجاة من الخلود في النار عند كل منهما لا يتغير فأبو حنيفة قد أطلق الإيمان على التصديق ثم جعل شرط قبوله الإقرار بالطاعة، والانقياد - وليس نطق اللسان فقط - لضمان النجاة، وأهل السنة قد أطلقوا الإيمان على التصديق والإقرار والالتزام بالطاعة معاً، وهو المستلزم للانقياد للشرائع عامة وأدخلوا في مسماه الأعمال فيكون بهذا المعنى الإقرار شرطاً عند أبي حنيفة وشرطاً (أو ركناً) عند بقية أهل السنة. يقول صاحب فيض الباري: ".. فأقول إن الجزء الذي يمتاز به الإيمان والكفر هو التزام الطاعة مع الردع والتبرى عن دين سواه.." إلى قوله: "فهذا هو الصواب في تفسيره. فقد نقل الحافظ ابن تيمية رحمه الله تعالى الإجماع على كون هذا الجزء مما لابد منه في باب الإيمان وحينئذ ينبغي أن يراد من الاقرار في قول الفقهاء الاقرار بالتزام الطاعة" الفيض جـ١ من ٥١. وما ذكره في غاية الأهمية للدلالة على أن مراد الفقهاء بالاقرار ليس هو نطق الشهادتين باللسان ولكن هو التزام الطاعة وعدم الانخلاع من الأحكام الشرعية عامة. ثم يبين أن القول بأن الاقرار المنجي هو النطق بالشهادتين يورد إشكالاً يقول: "وههنا إشكال يرد على الفقهاء والمتكلمين وهو أن بعض أفعال الكفر قد توجد من المصدق كالسجود للصنم والاستخفاف بالمصحف، فإن قلنا أنه كافر، ناقض قولنا: "إن الإيمان هو التصديق" ثم يجيب قائلاً: فالحق في الجواب ما ذكره ابن الهمام رحمه الله تعالى وحاصله أن بعض الأفعال تقوم مقام الجحود نحو العلائم المختصة بالكفر. وإنما يجب في الإيمان التبرؤ عن مثلها أيضاً، كما يجب التبرؤ عن نفس الكفر، ولذا قال تعالى: (لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم) في جواب قولهم (إنما كنا نخوض ونلعب) لم يقل إنكم كذبتم في قولكم بل أخبرهم بأنه بهذا اللعب والخوض اللذين من أخص علائم الكفر خلعوا ربقة الإسلام عن أعناقهم وخرجوا عن حماه إلى الكفر، فدل على أن مثل تلك الأفعال إذا توجد في رجل يحكم عليه بالكفر ولا ينظر إلى تصديقه في قلبه ولا يلتفت إلى أنها كانت منه خوضاً وهزءاً فقط أو كانت عقيدة، ومن ههنا تسمعهم يقولون إن التأويل في ضروريات الدين غير مقبول وذلك لأن التأويل فيها يساوي الجحود. وبالجملة إن التصديق المجامع مع أخص أفعال الكفر لم يعتبره الشرع تصديقاً، فمن أتى بالأفعال المذكورة فكأنه فاقد للتصديق عنده وأوضحه الجصاص فراجعه" الفيض جـ١ ص ٥. فانظر رحمك الله إلى قول كبار أئمة الحنفية - كابن الهمام والكشميري والجصاص - وهم الذين أطلق عليهم بعض العلماء - مرجئة الفقهاء لمجرد أنهم أخرجوا الأعمال من مسمى الإيمان لفظاً فقط رغم اشتراطهم للقدر اللازم منها للنجاة من الخلود في النار كبقية أهل السنة سواء بسواء. يقول شارح الطحاوية مبيناً ذلك: "ولم يقابل لفظ الإيمان قط بالتكذيب كما يقابل لفظ التصديق وإنما يقابل بالكفر.. والكفر لا يختص بالتكذيب بل لو قال أعلم أنك صادق ولكن لا أتبعك بل أعاديك وأبغضك وأخالفك لكان كفراً أعظم، فعلم أن الإيمان ليس التصديق فقط ولا الكفر التكذيب فقط بل إذا كان الكفر يكون تكذيباً ويكون مخالفة ومعاداة بلا تكذيب، فكذلك الإيمان يكون تصديقاً وموافقة وموالاة وانقياداً ولا يكون مجرد التصديق". شرح الطحاوية ص ٢٤٣. ويقول الإمام الطحاوي في المتن: "وأهله - أي أهل الإيمان - في أصله سواء" أي متفقون على أصله المنجي من الخلود في النار الموقع خلافه في الكفر، فالمحصلة إذن واحدة والخلاف وإن كان لفظياً.. أو خلافاً في النظر كما يرى صاحب الفيض - فالاتفاق حاصل فيما هو مدار النجاة من الكفر، وترتب الثواب والعقاب حسب إتيان الأعمال أو تركها متفق عليه بينهم، والأعمال المكفرة والتي تعرف بها انخرام الأصل وسقوط عقد القلب محددة في مذاهبهم، بل إن الأحناف توسعوا في دلالات الكفر بالأعمال عن سائر المذاهب، كما ذكرنا من قبل، وأما أن يقال إن الإيمان هو التصديق ثم يقابل التصديق بالتكذيب فيكون الكفر هو التكذيب فقط، فذلك ما لم يقله أحد من أئمة السنة لا الأحناف ولا غيرهم، بل إن هذا هو محور بدعة الإرجاء المذمومة كما سنبين بعد إن شاء الله تعالى، كذلك أن يقال إن إخراج الأعمال من مسمى الإيمان يعني عدم حدوث أو ترتب الكفر على عمل من الأعمال فهذا خلاف ما ذهب إليه جميع أهل السنة - بما فيهم الحنفية - بل إن قائل ذلك قد اضطرب فهمه عامة سواء في مفهوم الأحناف للإيمان أو في مفهوم بقية أئمة السنة فيه، كذلك اضطرب في مفهوم الكفر العملي والاعتقادي ومجالهما كما سنبين بعد. ومما يجدر هنا، أن ننقل أثراً رواه ابن أبي العز في شرحه على الطحاوية يفيد تردد أبي حنيفة في قوله في الإيمان، قال: "إن حماد بن زيد كما روى له حديث أي الإسلام أفضل. الخ قال له: ألا نراه يقول أي الإسلام أفضل؟ قال الإيمان ثم جعل الهجرة والجهاد من الإيمان؟ فسكت أبوحنيفة فقال بعض أصحابه: "ألا نجيبه يا أبا حنيفة قال: بم أجيبه وهو يحدثني بهذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم" شرح الطحاوية ص ٢٥٣.