للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وأيضاً لو قدر أنه عاش فلا يجب على كل واحد من العامة أن يعرف كل ما أمر به الرسول وكل ما نهى عنه وكل ما أخبر به، بل إنما عليه أن يعرف ما يجب عليه هو وما يحرم عليه، فمن لا مال له لا يجب أن يعرف أمره المفصل في الزكاة، ومن لا استطاعة له على الحج ليس عليه أن يعرف أمره المفصل بالمناسك، ومن لم يتزوج ليس عليه أن يعرف ما وجب للزوجة فصار يجب من الإيمان تصديقاً وعملاً على أشخاص ما لا يجب على آخرين.

وبهذا يظهر الجواب عن قولهم خوطبوا بالإيمان قبل الأعمال فنقول:

إن قلتم إنهم خوطبوا به قبل أن تجب تلك الأعمال، فقبل وجوبها لم تكن من الإيمان، وكانوا مؤمنين الإيمان الواجب عليهم قبل أن يفرض عليهم ما خوطبوا بفرضه، فلما نزل، إن لم يقروا بوجوبه لم يكونوا مؤمنين، ولهذا قال تعالى: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا، ومن كفر فإن الله غني عن العالمين) ولهذا لم يجئ ذكر الحج في أكثر الأحاديث التي فيها ذكر الإسلام والإيمان كحديث وفد عبد القيس وحديث الرجل النجدي الذي يقال له ضمام بن ثعلبة وغيرهما، وإنما جاء ذكر الحج في حديث ابن عمر وجبريل، وذلك لأن الحج آخر ما فرض من الخمس فكان قبل فرضه لا يدخل في الإسلام والإيمان، فلما فرض أدخله النبي صلى الله عليه وسلم في الإيمان إذا أفرد، وأدخله في الإسلام إذا قرن بالإيمان وإذا أفرد.

وكذلك قولهم: من آمن ومات قبل وجوب العمل عليه مات مؤمناً، صحيح، لأنه أتى بالإيمان الواجب عليه، والعمل لم يكن وجب عليه بعد، فهذا مما يجب أن يعرف فإنه تزول به شبهة حصلت للطائفتين.

فإذا قيل: الأعمال الواجبة من الإيمان، فالإيمان الواجب متنوع ليس شيئاً واحداً في حق جميع الناس.

<<  <   >  >>