والإيمان أصله التصديق والإقرار ينتظر به حقائق الأداء لما أقر، والتحقيق لما صدق، ومثل ذلك كمثل رجلين عليهما حق الرجل، فسأل أحدهما حقه، فقال: ليس لك عندي حق، فأنكر وجحد فلم يبق له منزلة يحقق بها ما قال إذ جحد وأنكر، وسأل الآخر حقه فقال: نعم لك على كذا وكذا، فليس إقراره بالذي يصل إليه بذلك حقه دون أن يوفيه، فهو منتظر له أن يحقق ما قال بالأداء وتصديق إقراره بالوفاء، ولو أقر ثم لم يؤد إليه حقه كان كمن جحده في المعنى إذ استويا في الترك للأداء، فتحقيق ما قال، أن يؤدي إليه حقه، فإن أدى جزءاً منه حقق بعض ما قال ووفى بعض ما أقر به، وكلما أدى جزءاً ازداد تحقيقاً لما أقر به، وعلى المؤمن الأداء أبداً بما أقر به، حتى يموت" (١) .
وهذا الكلام من الإمام واضح بذاته أن على العبد أداء بعض ما أقر، فإن لم يؤد شيئاً بالمرة كان كمن جحد ولم يقر سواء بسواء.
ولقد بنى العلماء هذا القول على قاعدة قطعية في الشريعة الإسلامية وهي قاعدة: "تلازم الظاهر والباطن" فإن الله سبحانه وتعالى قد جعل الظاهر دليلاً على ما في الباطن ومؤشراً عليه.
قال تعالى:(ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيراً منهم فاسقون) .
فجعل الله سبحانه فساد ظاهرهم دليلاً على فساد عقيدتهم وباطنهم.
وقال تعالى:(لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله) .