للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وعلى هذا الأصل الكلي بنى العلماء والفقهاء قولهم في مسألة الإيمان، فأثبتوا ما هو لازم للحكم بظاهر الإسلام في الدنيا وجعلوه هو الإقرار باللسان افتراضاً منهم أن الناطق بالشهادتين مدرك لمدلولهما، ملتزم بالطاعة في الفروع عامة، تارك لأعمال الشرك جملة، فاعل لما هو مشترط لصحة الإسلام من أعمال بعد الدخول فيه بالشهادتين. فإذا ظهر منه بعدها خلاف ذلك من إتيان فعل من أفعال الشرك، أو ترك عمل من الأعمال المشترطة لصحة الإسلام حكم بكفره إما كفراً أصليا أو كفر ردة على خلاف بينهم في ذلك.

يقول ابن حجر العسقلاني في الفتح: "أما بالنظر إلى ما عندنا، فالإيمان هو الإقرار فقط، فمن أقر أجريت عليه الأحكام في الدنيا ولم يحكم بكفره إلا إن اقترن به فعل يدل على كفره كالسجود للصنم" (١)


(١) الفتح ج١ ص ٤٦، وقد قال الحافظ قبلها: "والمعتزلة قالوا هو العمل والنطق والاعتقاد والفارق بينهم وبين السلف أنهم جعلوا الأعمال شرطاً في صحته والسلف جعلوها شرطاً في كماله" اهـ. ولا يشتبه عليك هذا القول فتقول: إن الحافظ يقول إن السلف جعلوا الأعمال شرطاً في كمال الإيمان؟ فنقول لك. إنه قد سبق أن نقلنا قول ابن تيمية وصاحب المعارج من أن المعتبر شرطاً في الكمال هو أكثر الأعمال وليس كلها، وعبارة الحافظ ليس فيها أن السلف اعتبروا كل الأعمال وإنما لفظه "السلف جعلوها شرطاً في الكمال" أي اعتبروا "الأعمال".

وهو لفظ عام يحتمل التخصيص فيجمع بينه وبين قول غيره حسب ما قررنا من قبل من أنه لا داعي لافتراض التضارب بين الأئمة والعلماء طالما أن هناك وجه مستقيم للجمع بين أقوالهم خاصة فيما يتصل بالعقيدة، ويكون مقصود الحافظ هنا هو أن السلف جعلوا أعمال الطاعات وترك المعاصي شرطاً في كمال الإيمان لا كل الأعمال مطلقاً، وهكذا عند كل من تكلم عن "الأعمال" وكونها شرط في كمال الإيمان بصفة عامة، فانتبه لهذا. راجع كلام ابن تيمية وحافظ حكمى ص٢٠ وكلام ابن رجب هامش ص ٢٢.

<<  <   >  >>