للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

كذلك فيمن هو تارك للأعمال جملة، فإن كان كافراً كفراً باطناً - إلا أن ذلك مما يصعب إثباته في الظاهر - فلا ينبنى حكم عليه، ويكون مسلماً في أحكام الدنيا، حتى يثبت كفره بعمل من أعمال الشرك أو بترك عمل يوجب عليه الكفر بذاته.

يقول ابن تيمية: "وهذه المسألة لها طرفان "

أحدهما: في إثبات الكفر الظاهر.

الثاني: في إثبات الكفر الباطن".

ثم يقول بعدها:

"وبيان هذا الموضع مما يزيل الشبهة، فإن كثيراً من الفقهاء يظن أن من قيل هو كافر فإنه يجب أن تجرى عليه أحكام المرتد ردة ظاهرة، فلا يرث، ولا يورث ولا يناكح حتى أجروا هذه الأحكام على من كفروه بالتأويل من أهل البدع، وليس الأمر كذلك فإنه قد ثبت أن الناس كانوا ثلاثة أصناف: مؤمن وكافر مظهر للكفر ومنافق مظهر للإسلام مبطن للكفر، وكان في المنافقين من يعلمه الناس بعلامات ودلالات، بل من لا يشكون في نفاقه - كابن أبي وأمثاله - ومع هذا فلما مات هؤلاء ورثهم ورثتهم المسلمون، وكان إذا مات لهم ميت آتوهم ميراثه وكانت تعصم دماؤهم حتى تقوم السُّنَّة الشرعية على أحدهم بما يوجب عقوبته" (١) .

فانظر رحمك الله إلى هذه المعاني المفيدة والتي يثبت فيها مايلي:

أولاً: أن ترك الأعمال جملة يثبت الكفر الباطن ولاشك (٢) وإن كان من الصعب إثبات ذلك على أحد من الناس، فلا ينبنى عليه حكم في الظاهر.

ثانياً: أن حد ذلك هو ارتكاب ما يوجب العقوبة بحكم الردة عليه إن ظهر منه ما يدل على الكفر الأكبر بدلالة قاطعة، كارتكاب عمل من أعمال الشرك، أو ترك عمل من الأعمال المشترطة لصحة الإسلام على خلاف فيها كما سبق.

ونخلص مما تقدم إلى:

١ - أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص، يزيد بالطاعات، وينقص بالمعاصي.


(١) "الإيمان الأوسط" ص١٥٩.
(٢) كما ذكرنا من قبل.

<<  <   >  >>