للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فدل على أن مثل تلك الأفعال إذا توجد في رجل يحكم عليه بالكفر ولا ينظر إلى تصديقه في قلبه ولا يلتفت إلى أنها كانت منه خوضاً وهزأ فقط أو كانت عقيدة.

ومن ههنا تسمعهم يقولون إن التأويل في ضروريات الدين غير مقبول، وذلك لأن التأويل فيها يساوق الجحود، وبالجملة: إن التصديق المجامع مع أخص أفعال الكفر لم يعتبره الشرع تصديقاً، فمن أتى بالأفعال المذكورة فكأنه فاقد للتصديق عنده. وأوضحه الجصاص فراجعه" (١) .

ثم يقرر هذا الإمام المحور الذي يدور عليه الإيمان بعدها فيقول:

"وإذ قد علمت أن التصديق والتسليم والمعرفة واليقين كلها يجامع الجحود فلا بد من تفسير يتميز به الكفر من الإيمان ..." (٢) وبعد أن نقل ما ذكرناه من قبل من أحاديث أبي سفيان وهرقل وغيرها في إثبات أن التصديق مخالف للإيمان يقول:

"فأقول إن الجزء الذي يمتاز به الإيمان عن الكفر هو التزام الطاعة مع الردع والتبري عن دين سواه، فإذا التزم الطاعة فقد خرج عن ضلالة الكفر ودخل في هدى الإسلام" (٣) .


(١) "فيض الباري على صحيح البخاري" للإمام الكشميري جـ١ ص ٥٠. وهذا الإمام رحمه الله تعالى من أئمة الحنفية الذين قيل عنهم أنهم "مرجئة أهل السنة" رغم اعتراضه على هذه النسبة كما أوضح في كتابه السابق ص ٥٤ – فانظر إليه كيف يعتبر الإقرار شرطاً أو شطراً في الإسلام وكيف يخرج التصديق المجامع لفعل من أفعال الكفر عن كونه تصديقاً معتبراً شرعاً، ويجعل صاحبه كافراً رغم تصديقه؟! فكيف بمن يعتبر أن مجرد التصديق حتى مع إتيان أعمال الكفر هو تصديق معتبر شرعاً، ويضمن السلامة لصاحبه في الآخرة؟! أليس هذا هو الأولى بأن يكون من غلاة المرجئة كما حكى عنهم أصحاب كتب الفرق؟ ثم يزعم زاعم أن هذا هو قول أهل السنة! فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
(٢) السابق جـ١ ص ٥٠، ٥١.
(٣) السابق جـ١ ص ٥٠، ٥١.

<<  <   >  >>