للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

"واختلف في الإقرار، فقالت المرجئة: إن الإقرار ليس بشطر ولا شرط للإيمان، فالتصديق وحده يكفي عندهم للنجاة، حتى اشتهر القول عنهم بأنه لا تضر مع الإيمان معصية، وعلى خلافهم الكرامية فإنهم زعموا أن الإقرار باللسان يكفي للنجاة (١) سواء وجد التصديق أم لا، فكأنهما على طرفي نقيض، وعندنا – أي أهل السُّنَّة – لابد من الإقرار أيضاً إما شطراً أو شرطاً..." (٢) .

ثم يورد إشكالاً على من قال: إن الإيمان التصديق، وأنه لابد من عدم وجود المناقض – حتى لو وجد التصديق القلبي – ليثبت التوحيد فيقول:

"وههنا إشكال يرد على الفقهاء والمتكلمين وهو أن بعض أفعال الكفر قد توجد من المصدق كالسجود للصنم والاستخفاف بالمصحف، فإن قلنا إنه كافر، ناقض قولنا أن الإيمان هو التصديق، ومعلوم أنه بهذه الأفعال لم ينسلخ عن التصديق فكيف يحكم عليه بالكفر؟ وإن قلنا إنه مسلم فذلك خلاف الإجماع، وأجاب عنه الكستلي تبعاً للجرجاني أنه كافر قضاء، ومسلم ديانة، وهذا الجواب باطل مما لا يصغى إليه فإنه كافر ديانة وقضاء قطعاً.

فالحق في الجواب ما ذكره ابن الهمام رحمه الله تعالى وحاصله أن بعض الأفعال تقوم مقام الجحود نحو العلائم المختصة بالكفر وإنما يجب في الإيمان التبرؤ عن مثلها أيضاً كما يجب التبرؤ عن نفس الكفر، ولذا قال تعالى: (لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم) في جواب قولهم: (إنما كنا نخوض ونلعب) ولم يقل إنكم كذبتم في قولكم، بل أخبرهم بأنهم بهذا اللعب والخوض اللذين من أخص علائم الكفر خلعوا ربقة الإسلام عن أعناقهم، وخرجوا عن حماه إلى الكفر.


(١) وقد خالف صاحب فيض الباري الإمام ابن تيمية في مفهومه لمذهب الكرامية وحقيقته، راجع الإيمان الأوسط ص ١٨.
(٢) "فيض الباري شرح صحيح البخاري" جـ١ ص ٤٩.

<<  <   >  >>