"وأما المعنى فإن الإيمان مأخوذ من الأمن الذي هو الطمأنينة، كما أن لفظ الإقرار مأخوذ من قريقر، وهو قريب من آمن يأمن، لكن الصادق يطمئن إلى خبره والكاذب بخلاف ذلك، كما يقال: الصدق طمأنينة والكذب ريبة، فالمؤمن دخل في الأمن كما أن المقر دخل في الإقرار، ولفظ الإقرار يتضمن الالتزام، ثم إنه على وجهين:
(أحدهما) : الإخبار: وهو من هذا الوجه كلفظ التصديق والشهادة ونحوهما ... وهذا معنى الإقرار الذي يذكره الفقهاء في كتاب الإقرار.
و (الثاني) : إنشاء الالتزام: كما في قوله تعالى: (أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا، قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين) وليس هو هنا بمعنى الخبر المجرد فإنه سبحانه قال: (وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ... الآية) فهذا الالتزام للإيمان والنصر للرسول.
وكذلك لفظ الإيمان فيه إخبار وإنشاء والتزام، بخلاف لفظ التصديق المجرد فمن أخبر الرجل بخبر لا يتضمن طمأنينة إلى المخبر، لا يقال فيه آمن له بخلاف الخبر الذي يتضمن طمأنينة إلى المخبر، والمخبر قد يتضمن خبره طاعة المستمع له، وقد لا يتضمن إلا مجرد الطمأنينة إلى صدقه، فإذا تضمن طاعة المستمع لم يكن مؤمناً للمخبر إلا بالتزام طاعته مع تصديقه، بل قد استعمل لفظ الكفر المقابل للإيمان. في نفس الامتناع عن الطاعة والانقياد، فقياس ذلك أن يستعمل لفظ الإيمان كما استعمل لفظ الإقرار في نفس التزام الطاعة والانقياد" (١) .
وقد تكلم في هذا الباب صاحب "فيض الباري" فقال:
(١) مجموعة فتاوى ابن تيمية جـ ٧ ص ٥٣٠ وبعدها، ويراجع "الإيمان" ص٢٤٨ وبعدها في الفرق بين الإيمان والتصديق.