للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فالمرجئة: جعلوا فساد الاعتقاد القلبي - ودليله عندهم هو التصريح بالتكذيب فقط - هو السبب الوحيد للكفر ولم يعتبروا أن هناك عمل من الأعمال قد يكون مكفراً بذاته بمجرد فعله لدلالته على سقوط الاعتقاد القلبي.

والخوارج: جعلوا جميع الأعمال من المعاصي والمكفرات دلالة على سقوط الاعتقاد القلبي فكفروا فاعلها. فكانوا مع المرجئة على طرفي نقيض.

وأهل السُّنَّة والجماعة: فرقوا بين أعمال المعصية. وأعمال الكفر فشرطوا فساد الاعتقاد أو استحلال المعصية لكفر فاعلها، واعتبروا فاعل الكفر كافراً بذلك، لدلالته على سقوط الاعتقاد القلبي.

كما أن بهذا التفريق الصحيح يتضح معنى قول السلف عند ذكرهم أي عمل من أعمال المعصية - أنه إذا فعلها عاصياً لم يكفر طالما هو معتقد لحرمتها، وإن فعلها جحوداً كفر بذلك، فهذا في الأعمال التي يؤخذ من ظاهرها المعصية كالزنا. وقد سقط من دخلت عليهم شبه المرجئة مرة أخرى في هذا المقام، فاعتقدوا أن الجحود هو التكذيب، فهذا المعنى يتساوق مع ما ذهبوا إليه من معان في الإيمان والتصديق والإقرار وغير ذلك.

ومما يدل على أن الجحود بمعنى التكذيب ليس هو المخرج من الملة فقط، بل إما لتكذيب ما يجب التصديق به، أو قول ما يجب عدم قوله، أو عمل ما لا يجب عمله من الكفر، ما قاله ابن حزم: "بل الجحد لشئ مما صح البرهان أنه لا إيمان إلا بتصديقه، كفر، والنطق بشئ من كل ما قام البرهان أن النطق به كُفر، كفر، والعمل بشئ مما قام البرهان بأنه كُفر، كَفر" (١) .


(١) "الملل والنحل" لابن حزم جـ٣ ص٢١٣.

<<  <   >  >>