للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويقول كذلك: "وقد قال عز وجل: (إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سوَّل لهم وأملى لهم ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما أنزل الله سنطيعكم في بعض الأمر والله يعلم إسرارهم فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم) فجعلهم تعالى مرتدين كفاراً بعد علمهم بالحق وبعد أن تبين لهم الهدى بقولهم للكفار ما قالوا فقط.

وأخبرنا تعالى أنه يعرف إسرارهم ولم يقل تعالى إنها جحد أو تصديق بل قد صح أن في سرهم التصديق لأن الهدى قد تبين لهم ومن تبين له شئ فلا يمكن البتة أن يجحده بقلبه أصلاً.

وأخبرنا تعالى أنه قد أحبط أعمالهم باتباعهم ما أسخطه وكراهيتهم رضوانه.

وقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون) .

فهذا نص جلي وخطاب للمؤمنين بأن إيمانهم يبطل جملة وأعمالهم تحبط برفع أصواتهم فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم دون جحد كان منهم أصلا ولو كان منهم جحد لشعروا له، والله تعالى أخبرنا بأن ذلك يكون وهم لا يشعرون، فصح أن من أعمال الجسد ما يكون كفراً مبطلاً لإيمان فاعله جملة ومنه ما لا يكون كفراً. لكن على ما حكم الله تعالى به في كل ذلك ولا مزيد" (١) .

والجحود لغة: الإنكار بعد العلم (٢) . وهذا المعنى يتضمن شكلاً آخر للجحود وهو التغيير لما ثبت بعد العلم بحقيقته.

قال تعالى: (قال نكّروا لها عرشها) قال القرطبي: أي غيروه.

فالتنكير أو الإنكار تغيير للشئ بعد العلم به، فيكون للجحود - إذن - معنيان شرعيان في القرآن الكريم:


(١) "الملل والنحل" لابن حزم جـ٤ ص٢٢٠.
(٢) مختار الصحاح ١٠٨.

<<  <   >  >>