للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويؤكد ذلك ما رواه الطبري بسنده عن السدِّى: "كان بنو إسرائيل أنزل الله عليهم: إذا زنى منكم أحد فارجموه، فلم يزالوا بذلك حتى زنى رجل من خيارهم، فلما اجتمعت بنو إسرائيل يرجمونه، قام الخيار والأشراف فمنعوه، ثم زنى رجل من الضعفاء، فاجتمعوا ليرجموه، فاجتمعت الضعفاء فقالوا لا ترجموه حتى تأتوا بصاحبكم فترجموهما جميعاً، فقالت بنو إسرائيل: إن هذا الأمر قد اشتد علينا.. فتركوا الرجم وجعلوا مكانه أربعين جلدة.." (١) .

فأين بربك "الحق الإلهي" الذي يزعم بعض الناس أن اليهود وقد غيَّروا حكم التوراة في الزنا بمقتضاه؟ إنه من الواضح أنهم لم يعتقدوا تبديل الحكم من عند الله تعالى، وإنما هي صورة أخرى من الكفر يعرضها الله تعالى على عباده رمزاً لمن يبدل الشرع ويغيِّره - فيكون بذلك جاحداً له بالفعل - ويعبد الناس لشرع جديد مستأنف مستعيضاً به عن شرع الله المحكم كما فعلت اليهود.

أما عن قوله تعالى: (فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله..) (٢) الآية.

فإنه لا يلزم منها صورة واحدة، هي صورة من يمحو من كتاب الله حكماً ليثبت حكماً آخر ينسبه لله تعالى، وإنما هي تحتمل كذلك معنى كل من يكتب كتاباً في الدين ويجعله تفسيراً لآيات الله الثابتة عنده، فينسبه بذلك لله تعالى برغم ثبوت الحكم لله عنده، وإنما كتب هو تفسيره من هواه، وبهذا اعترض صاحب المنار على السيوطي في تفسيره أن هذه الآية فيمن يمحو حكماً ويثبت آخر فقط. يقول صاحب المنار:

"إنما الآية وعيد على من لبَّسوا على الناس بالكتابة وتأليف الكتب الدينية وإيهام العامة أن كل ما كتبوه فيها مأخوذ من كتاب الله.." (٣) .

أما عن قول الجلال السيوطي في تفسيره: "إنهم كانوا يكتبون الأحكام على خلاف ما هي عليه في الكتاب كآية الرجم ووصف النبي صلى الله عليه وسلم".


(١) الطبري جـ٦ ص ٢٣٥.
(٢) البقرة ٧٩.
(٣) المنار جـ١ ص ٣٦٠.

<<  <   >  >>