للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فهذا يجب أن لا يحمل على أنهم كانوا يثبتون هذه الأحكام الجديدة في التوراة نفسها، والدليل على هذا مشهور مستفيض مما ورد في أسباب نزول آية المائدة من أنهم أتوا الرسول صلى الله عليه وسلم بالتوراة ليتلوها عليه، فوضع أحدهم إصبعه على موضع آية الرجم فيها ليكتمها عنه. أخرج الشيخان واللفظ للبخاري: ".. فقال لليهود ما تصنعون بهما؟ قالوا نسخم وجوههما ونخزيهما، قال: (فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين) ، فجاؤا فقال لرجل منهم ممن يرضون: اقرأ، فقرأ حتى انتهى إلى موضع منها فوضع يده عليه، قال ارفع يدك، فرفع فإذا آية الرجم تلوح قال: يا محمد فيها آية الرجم ولكننا نتكاتمه بيننا فأمر بهما فرجما".

كما أنه قد روى أنهم إنما قد نزعوا إلى الرسول صلوات الله عليه ليأخذوا حكمه ليكون لهم رخصة عند الله فعلم أنهم إنما لم يكونوا ينسبون حكمهم الجديد لله تعالى. روى الطبري: ".. قالوا سلوه لعلكم تجدون عنده رخصة" (١) .

وفيما أوردنا الكفاية لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.

ثانياً: الإصرار والرد:

الإصرار لغة: هو الإقامة على الشئ والمداومة عليه (٢) .

وهو العزم بالقلب على الأمر، وترك الإقلاع عنه (٣) .

وشرعاً: هو الإقامة على فعل الذنب أو المعصية مع العلم بأنها معصية دون الاستغفار أو التوبة (٤) .

قال قتادة "الإصرار" الثبوت على المعاصي (٥) .

فالإصرار إذن - كما يتضح من التعريفين اللغويين: له جانب ظاهري وجانب باطني ثم إن له وجهان قد يدل عليهما من الناحية الظاهرية التي هي التكرار للعمل بالذنب والمداومة عليه.


(١) الطبري جـ٦ ص ٢٤٢.
(٢) مختار الصحاح ص ٣٨٤.
(٣) القرطبي جـ٤ ص ٢١١.
(٤) القرطبي جـ٤ ص ٢١١.
(٥) القرطبي جـ٤ ص ٩٨.

<<  <   >  >>