للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

١ - فإما أن يكون تكرار الفعل والمداومة عليه دلالة على استحلال القلب لهذه المعصية، ورد الشرع فيها وعزم القلب على عدم تركها أبداً، فيكون المصر في هذه الحالة - وهو الذي ظاهره التكرار - كافراً وهو قول الخوارج.

يقول ابن حزم: ".. وقالوا من كذب كذبة صغيرة أو عمل عملاً صغيراً فأصر على ذلك فهو كافر مشرك وكذلك في الكبائر" (١) .

وفي هذه الحالة لا يكون تكرار الفعل مجرداً من العمل الباطن للقلب، وإنما يكون مصحوباً بعقد القلب على استحلاله وإن لم يظهر من العاصي إلا تكرار فعل المعصية الذي اتخذه الخوارج دلالة على الاستحلال.

٢ - أن يكون تكرار الفعل والإقامة عليه دلالة على قوة الشهوة الدافعة للذنب مما يجعله مستمراً في فعله مقيماً عليه، بمعنى تكراره وإضافة ذنوب بعضها إلى بعض دون المساس بعقد القلب، ويخشى على صاحبه سوء العاقبة لاحتمال انتكاس القلب برد الشرع في أية لحظة.

وهذا ما ذهب إليه جمهور السلف من عدم تكفير المصر - بمعنى المداوم على العمل دون توبة أو استغفار - لعدم اعتبارهم تكرار الذنب دلالة على استحلال القلب. هذا في الظاهر، وأما في الباطن فإن ثبوت عقد القلب على عدم ترك المعصية وانعقاده على ذلك يكون مكفراً لصاحبه على الحقيقة، وإن لم يستدل بمجرد التكرار للذنب على ذلك المعنى.

والحق في هذه المسألة هو ما ذهب إليه جمهور السلف والأئمة، فإنه من المعلوم أن الشهوة الدافعة للمعصية أو النفرة من فعل الأمر قد تستمر في القلب فتبعده عن طاعة الله أو استغفاره رغم انقياده وإذعانه للأمر وحبه للعدول عن المعصية، فيظل مقيماً على الذنب مكرراً له دون توبة منه أو استغفار، وإن لم يعقد قلبه على عدم العدول عنه أبداً.


(١) "الملل والنحل" لابن حزم جـ٤ ص ١٩٠.

<<  <   >  >>