للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يقول ابن تيمية: "وبهذا يظهر الفرق بين العاصي فإنه يعتقد وجوب ذلك الفعل عليه ويجب أن يفعله لكن الشهوة والنفرة منعته من الموافقة" (١) .

فلا دلالة للتكرار في حد ذاته - ظاهراً - على تغير عقد القلب الذي هو مناط الكفر في أعمال المعاصي - كما سبق أن قررنا في التفريق بين أعمال الكفر وأعمال المعصية - وأنه لابد من دلالة قطعية على سقوط عقد القلب أو فساد الاعتقاد لمرتكب المعصية ليثبت كفره، ومجرد التكرار لا يعتبر دلالة في ذاته على ذلك. من ناحية الظاهر.

فلهذه المسألة جانبان من النظر:

أولاً: في ظاهر الأمر: فإن الإصرار - الذي هو بمعنى تكرار الفعل وصورته الظاهرة الإقامة عليه - لا تعتبر دلالة بذاتها على تغير عقد القلب أو على استحلال المعصية الذي هو مناط الكفر في هذه الأعمال وإن خشى عليه ذلك في أية لحظة، وإنما تعتبر صغيرته - بتكرارها - كبيرة ينبه عليها ليقلع عنها.

ولا يصح الاحتجاج هنا بقاعدة تلازم الظاهر والباطن، بأن يقال: إنه طالما أن ظاهر الحال هو تكرار المعصية فهذا يدل على فساد الباطن وسقوط عقد القلب، فإننا نقول إنه إن كان الظاهر منحرفاً كان الباطن بحسبه، فإن كان ظاهر العمل معصية كان فاعلها فاسقاً باطناً، وإن كان الفعل كفراً كان الفاعل كافراً. ولا نقول إنه يستدل به على كفر دون أن يكون أصل الفعل مكفراً - إما بنص الشارع أو بما يقوم مقام النص من القواعد الثابتة القطعية - بمعنى أن الله سبحانه أطلق القول على مرتكب المعصية بأنه فاسق فيكون فاعلها فاسقاً، لأننا نجعل الظاهر دليلاً على الباطن، فلا يقول قائل إنه مؤمن كامل الإيمان بل يجب إثبات فسقه لما ظهر من حاله.


(١) الصارم المسلول ص ٥٢٢.

<<  <   >  >>