للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال الله عز وجل (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم..) وهذه الآية نزلت بسبب قوم امتنعوا من تناول بعض الطيبات زهداً في الدنيا وتقشفاً. وبعضهم حرم ذلك على نفسه إما بيمين حلف بها أو بتحريمها على نفسه، وذلك كله لا يوجب تحريمه في نفس الأمر. وبعضهم امتنع منها من غير يمين أو تحريم على نفسه، فسمى الجميع تحريماً حيث قصر الامتناع منه إضراراً بالنفس وكفاً لها عن شهواتها.

ويقال في الأمثال: فلان لا يحلل ولا يحرم إذا كان لا يمتنع من فعل حرام ولا يقف عندما أبيح له، وإن كان يعتقد تحريم الحرام فيجعلون من فعل الحرام ولا يتحشى منه محللاً وإن كان لا يعتقد حله" (١) .

وأما عن قول الخوارج إن الإصرار على الذنب غير مكفر لصاحبه بشرط التوبة والاستغفار فهو كتحصيل حاصل، فإن من تاب واستغفر عاد كمن لا ذنب له، كما صح من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "التائب من الذنب كمن لا ذنب له" (٢) .

وصار تكرار المعصية ذنب جديد ومعصية عادية لا معنى للإصرار فيها، أي المداومة فيكون ترك الاستغفار أو التوبة لازم لمعنى الإصرار (٣) كما نقلنا عن الطبري.

وقد قال القرطبي: "قال علماؤنا الاستغفار المطلوب هو الذي يحل عقد الإصرار، ويثبت معناه في الجنان، لا التلفظ باللسان، فأما من قال بلسانه أستغفر الله وقلبه مصر على معصية فاستغفاره ذلك يحتاج إلى استغفار وصغيرته لاحقة بالكبائر" (٤) .


(١) جامع العلوم والحكم لابن رجب صـ ١٩٥.
(٢) رواه ابن ماجه والطبراني ورواته رواة الصحيح.
(٣) يفرق بين ترك التوبة أو الاستغفار وبين عقد القلب على عدم الإقلاع فهذا هو الكفر على الحقيقة، فانتبه.
(٤) القرطبي جـ ٤ صـ ٢١٠.

<<  <   >  >>