للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

يقول ابن القيم: "فإن هذا خلاف المعلوم بالاضطرار من دين الإسلام، فإن المنافقين يقولونها بألسنتهم، وهم تحت الجاحدين لها في الدرك الأسفل من النار، فلابد من قول القلب وقول اللسان.

وقول القلب يتضمن من معرفتها والتصديق بها، ومعرفة حقيقة ما تضمنته من النفي والإثبات، ومعرفة حقيقة الإلهية المنفية عن غير الله، المختصة به، التي يستحيل ثبوتها لغيره، وقيام هذا المعنى بالقلب علماً ومعرفة ويقيناً وحالاً ما يوجب تحريم قائلها على النار. وكل قول رتب الشارع ما رتب عليه من الثواب، فإنما هو القول التام" (١) .

وهذا المعنى إنما يأتي من أن الألفاظ لا تراد لذواتها وإنما تراد لمعانيها، يقول الإمام ابن القيم مدللاً على هذا المعنى في كلام بليغ:

"الألفاظ موضوعة للدلالة على ما في النفس":

إن الله تعالى وضع الألفاظ بين عباده تعريفاً ودلالة على ما في نفوسهم، فإذا أراد أحدهم من الآخر شيئاً عرفه بمراده وما في نفسه بلفظه، ورتب على تلك الإرادات والمقاصد أحكامها بواسطة الألفاظ، ولم يرتب تلك الأحكام على مجرد ما في النفوس من غير دلالة فعل أو قول، ولا على مجرد ألفاظ مع العلم بأن المتكلم بها لم يرد معانيه ولم يحط بها علماً، بل تجاوز للأمة عما حدثت به أنفسها، ما لم تعمل به أو تكلم به، وتجاوز لها عما تكلمت به مخطئة، أو ناسية، أو مكرهة، أو غير عالمة به إذا لم تكن مريدة لمعنى ما تكلمت به، أو قاصدة إليه، فإذا اجتمع القصد والدلالة القولية أو الفعلية ترتب الحكم. هذه قاعدة الشريعة.. الخ" (٢) .


(١) "مدارج السالكين" جـ١ ص ٣٣١.
(٢) "إعلام الموقعين" جـ٣ ص ١٠٥.

<<  <   >  >>