للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

قال تعالى: (إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله، والله يعلم إنك لرسوله، والله يشهد إن المنافقين لكاذبون) (١) .

والمنافقون إنما ثبت لهم عقد الإسلام ظاهراً فقط، بقولهم الشهادة والتزامهم الشرائع، وإنما يعرف نفاقهم من قرائن تظهر منهم تدل على فساد دينهم، وإن لم تصل إلى حد الكفر الصراح في مدلولها أو ثبوتها عليهم، وإلا فإن دلت عليه أو ثبتت أقيم عليهم حكم الردة.


(١) سورة "المنافقون" آية ١، فالمنافق إن أبطن النفاق ظل باقياً على الحكم له بالإسلام، وإن أظهر الكفر فهو كافر لا محالة، وإنما كف عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لاعتبارات أخرى من المآلات كقوله عليه الصلاة والسلام: "لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه". راجع "زاد المعاد" جـ٣ ص ٨، وكما قال ابن القيم: "ومنها تركه قتل المنافقين وقد بلغه عنهم الكفر الصريح فاحتج به من قال لا يقتل الزنديق – إلى قوله – والجواب الصحيح إذاً أنه كان في ترك قتلهم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم مصلحة تتضمن تأليف القلوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وجمع كلمة الناس عليه، وكان في قتلهم تنفير والإسلام بعد في غربة ورسول الله صلى الله عليه وسلم أحرص شئ على تأليف الناس وأترك شئ لما ينفرهم عن الدخول في طاعته، وهذا أمر كان يختص بحال بحياته صلى الله عليه وسلم". "زاد المعاد" جـ ٣ ص ١٦.
فيفهم من هذا أن الأمر احتمل مصلحة كبرى تقابلها مصلحة صغرى، وإزالة مفسدة صغرى قد ينشأ عنها مفسدة كبرى، فكان لابد من ترجيح جلب المصلحة الكبرى ودرء المفسدة الكبرى، حسب قواعد الأصول. أما بالنسبة لنا فإن "الاعتراض على الظواهر غير مسموع" كما يقول الشاطبي في الموافقات جـ٤ ص ٤٢٣ أحكام السؤال والجواب، فكل يعامل بما ظهر منه.

<<  <   >  >>