للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وقد اعتبر الفقهاء نطق الشهادتين عنواناً ودلالة على الدخول في الإسلام (١) في ظاهر الأمر ليمكن إجراء الأحكام على أساسها في الدنيا بشرط عدم التلبس في الشرك. فهذا هو المناط الحقيقي للإسلام، والشهادتين إنما هما دلالة عليه وهو معنى ما سبق أن نقلناه عن الحافظ في الفتح، قال:

"فمن أقر أجريت عليه الأحكام في الدنيا ولم يحكم عليه بكفر إلا إن اقترن به فعل يدل على كفره كالسجود للصنم" (٢) .

فالإقرار هنا في أحكام الدنيا إنما هو معتبر بالنطق بالشهادتين على اعتبار تحقق الإسلام فعلا بترك الشرك وعبادة الله وحده، وعليه تجرى الأحكام الظاهرة، إلا في حالة التحقق من عدم التبرى من الكفر أو بالإقامة على الشرك بفعل عمل من أعماله. فهنا لا يحكم بالإسلام بالنطق بالشهادتين لعدم اعتبار دلالتها على الإسلام في حالة الاقتران بالكفر، وهو عين ما صرح به الحافظ.

(ب) اعتبار حقيقة الشهادتين:

فإن الله سبحانه وتعالى عندما يرتب حكماً شرعياً على أي قول، فهو إنما يرتبه على القول التام المقترن بالنية والمقصد، المتضمن لمدلوله ومقتضاه، لا على مجرد التلفظ الذي لا يحمل معنى، وإلا كان المنافقون مسلمين بنطقهم للشهادتين وهذا خلاف المعلوم بالاضطرار من دين الإسلام.


(١) أي هي دلالة على الإسلام في الحالات التي تدل عليه فيها – والتي تكون عنواناً على ترك الشرك وعبادة الله وحده – وإلا فكما سبق أن قلنا أن هناك حالات لا تكون الشهادة فيها معتبرة كدليل على الإسلام، كاليهود الموحدين الذين أقروا برسالة محمد صلى الله عليه وسلم ولكن قالوا للعرب خاصة، فهؤلاء لابد وأن يقروا بأنه بعث للعالم أجمع، أو كمن كفر بجحد نبي أو فريضة أو نحوها. فيجب أن يقر بما جحده علاوة على الشهادتين حتى يحكم له بالإسلام. راجع هامش ص ٢ الباب الأول والفصل الثاني من هذا الكتاب.
(٢) فتح الباري جـ١ ص ٤٦.

<<  <   >  >>