للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقبل أن نرد تفصيلاً على هذه الشبهات، نريد أن نؤكد على معنى هام وهو أن الأصل - أو القاعدة الكلية - إذ تقررت فإنما تتقرر بضم جزئيات كثيرة من مجموع الشريعة ينتظم منها معنى واحد أو أصل واحد يجرى مجرى العموم، فلا يقدح فيه تخلف جزئية عن الدخول تحته، وإنما الأصل إذا تقرر بشواهد من الكتاب والسُّنَّة وغير ذلك من الأدلة الشرعية، فإنه يكون الحاكم على الجزئيات في الشريعة، فلا يمكن بعد ذلك معارضته بجزئية واحدة وردت في نص معين، لأن ذلك يعني معارضة نصوص كثيرة بنص واحد، وهو ما لا يصح شرعاً ولا عقلاً، وأما عند معارضة قضية ما أو نص معين لأصل كلي متقرر في الشريعة، تكون هذه القضية "قضية عين" أو "حكاية حال" لا تقدح في ثبوت الأصل الكلي.

وقد ناقش أئمة "أصول الفقه" هذه المسألة في معرض دراستهم لقضية "العموم والخصوص" وخاصة الإمام الشاطبي رحمه الله الذي جلاها أحسن تجلية وبينها أوضح بيان في "الموافقات".

فقضايا الأعيان: هي القضايا التي تعارض بظاهرها قاعدة عامة أو مطلقة سواء ثبتت هذه القاعدة بطريق النص العام أو الاستقرار الجزئي.

وفي طرق ثبوت العموم يقول الإمام الشاطبي رضي الله عنه: "العموم إذا ثبت فلا يلزم أن يثبت من جهة صيغ العموم فقط بل له طريقان:

أحدهما: الصيغ إذا وردت. وهو المشهور في كلام أهل الأصول.

والثاني: استقراء مواقع المعنى حتى يحصل منه في الذهن أمر كلي عام فيجري في الحكم مجرى العموم المستفاد من الصيغ" (١) اهـ.

ويقرر الشاطبي قاعدة قضايا الأعيان فيقول: "إذا ثبتت قاعدة عامة أو مطلقة فلا تؤثر فيها معارضة قضايا الأعيان ولا حكايات الأحوال. والدليل على ذلك أمور:

أحدها: أن القاعدة مقطوع بها بالفرض، لأنا إنما نتكلم في الأصول الكلية القطعية، وقضايا الأعيان مظنونة أو متوهمة. والمظنون لا يقف للقطعي ولا يعارضه.


(١) "الموافقات" جـ٣ ص ٢٩٨ المسألة السادسة من العموم والخصوص.

<<  <   >  >>