فلما رأى هذا الرجل أن أمر الإسلام بدأ ينتشر بهذه الصورة وبدأ يظهر رأى أن هذا الأمر ليس له إلا فتنة من داخله، وكان بمنتهى الخبث فأول ما بدأ بدأ بالمدينة، وكانت المدينة يومها مليئة بالعلماء، فدُحر بالعلم كلما رمى شبهة رُدَّ عليها، فمن شبهه أنه أظهر بعض العقائد اليهودية، مثل القول بالرجعة؛ أي رجعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - واستدل بقوله تعالى:" إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد " القصص "٨٥"، وذكر تعجبه للناس ممن يصدق برجعة عيسى - عليه السلام -ويكذب برجعة محمد - صلى الله عليه وسلم -، وما كان قوله هذا إلا وسيلة للوصول إلى ما هو أكبر من ذلك، حيث قال بعد ذلك برجعة علي - رضي الله عنه - وأنه سيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً، وهكذا. وللرد عليهم أشير إلى أن الآية التي استدل بها السبئية دليل عليهم، وقد نقل ابن كثير في تفسير هذه الآية، أقوال العلماء في ذلك، فمنهم من يقول: رادك يوم القيامة فيسألك عما استرعاك من أعباء النبوة. ومنهم من يقول: رادك إلى الجنة، أو إلى الموت، أو إلى مكة كما أخرجك قومك منها وقد أورد البخاري عن ابن عباس القول بالرد إلى مكة. وقد سَأل عاصم بن ضمرة "ت ٧٤هـ " الحسن بن علي فيما يزعمه الشيعة بأن علياً - رضي الله عنه -سيرجع، فقال: كذب أولئك الكذّابون، لو علمنا ذلك ما تزوج نساؤه ولا قسمنا ميراثه. المسند "١/١٤٨". ومن أقوال ابن سبأ أيضاً القول بالوصية والإمامة. يقول الشهر ستاني في الملل والنحل "١/١٧٤": أن ابن سبأ هو أول من أظهر القول بالنص بإمامة علي، ويذكر ابن تيميه في مجموع الفتاوى (٤/٤٣٥) : أن أصل الرفض من المنافقين الزنادقة، فإنه ابتدعه ابن سبأ الزنديق وأظهر الغلو في علي بدعوى الإمامة والنص عليه، وادّعى العصمة له) (١) . ومن المحدثين الشيعة الذين
(١) -.: عبدا لله بن سبأ ودورهُ في أحداث الفتنة ص٢٠٨ بتصرف