ثالثا: إذا صحت الرواية في ميزان الجرح والتعديل، وكان ظاهرها القدح، فليلتمس لها أحسن المخارج والمعاذير. قال ابن أبي زيد:((والإمساك عما شجر بينهم، وأنهم أحق الناس أن يلتمس لهم أحسن المخارج، ويظن بهم أحسن المذاهب)) . (مقدمة رسالة ابن أبي زيد القيرواني) . وقال ابن دقيق العيد:((وما نقل عنهم فيما شجر بينهم واختلفوا فيه، فمنه ما هو باطل وكذب، فلا يلتفت إليه، وما كان صحيحا أولناه تأويلا حسنا، لأن الثناء عليهم من الله سابق، وما ذكر من الكلام اللاحق محتمل للتأويل، والمشكوك والموهوم لا يبطل الملحق المعلوم)) . هذا بالنسبة لعموم ما روي في قدحهم.
رابعا: أما ما روي على الخصوص فيما شجر بينهم، وثبت في ميزان النقد العلمي، فهم فيه مجتهدون، وذلك أن القضايا كانت مشتبهة، فلشدة اشتباهها اختلف اجتهادهم وصاروا ثلاثة أقسام:
القسم الأول: ظهر لهم بالاجتهاد أن الحق في هذا الطرف، وأن مخالفه باغ، فوجب عليهم نصرته وقتال الباغي عليه، فيما اعتقدوه، ففعلوا ذلك، ولم يكن يحل لمن هذه صفته التأخر عن مساعدة إمام العدل في قتال البغاة في اعتقاده.
القسم الثاني: عكس هؤلاء، ظهر لهم بالاجتهاد إن الحق مع الطرف الآخر، فوجب عليهم مساعدته وقتال الباغي عليه.
القسم الثالث: اشتبهت عليهم القضية، وتحيروا فيها، ولم يظهر لهم ترجيح أحد الطرفين، فاعتزلوا الفريقين، وكان هذا الاعتزال هو الواجب في حقهم، لأنه لا يحل الإقدام على قتال مسلم حتى يظهر أنه مستحق لذلك. (مسلم بشرح النووي ١٥ / ١٤٩، ١٨ / ١١، وراجع الإصابة ٢ / ٥٠١، فتح الباري ١٣ / ٣٤) .