أيضا من المهم أن نعلم أن القتال الذي حصل بين الصحابة رضوان الله عليهم لم يكن على الإمامة، فإن أهل الجمل وصفين لم يقاتلوا على نصب إمام غير علي، ولا كان معاوية يقول إنه الإمام دون علي، ولا قال ذلك طلحة والزبير، وإنما كان القتال فتنة عند كثير من العلماء، بسبب اجتهادهم في كيفية القصاص من قاتلي عثمان رضي الله عنه، وهو من باب قتال أهل البغي والعدل، وهو قتال بتأويل سائغ لطاعة غير الإمام، لا على قاعدة دينية، أي ليس بسبب خلاف في أصول الدين. (منهاج السنة ٦ / ٣٢٧) . ويقول عمر بن شبه:((إن أحدا لم ينقل أن عائشة ومن معها نازعوا عليا في الخلافة، ولا دعوا أحدا ليولوه الخلافة، وإنما أنكروا على علياً منعه من قتال قتلة عثمان وترك الاقتصاص منهم)) . (أخبار البصرة لعمر بن شبه نقلا عن فتح الباري ١٣ / ٥٦) . ويؤيد هذا ما ذكره الذهبي:((أن أبا مسلم الخولاني وأناساً معه، جاءوا إلى معاوية، وقالوا: أنت تنازع علياً أم أنت مثله؟ . فقال: لا والله، إني لأعلم أنه أفضل مني، وأحق بالأمر مني، ولكن ألستم تعلمون أن عثمان قتل مظلوما، وأنا ابن عمته؟ والطالب بدمه، فائتوه فقولوا له، فليدفع إلي قتلة عثمان، وأسلم له. فأتوا عليا فكلموه، فلم يدفعهم إليه)) . (سير أعلام النبلاء للذهبي ٣ / ١٤٠، بسند رجاله ثقات كما قال الأرناؤوط) وفي رواية عند ابن كثير: ((فعند ذلك صمم أهل الشام على القتال مع معاوية)) . وأيضا فجمهور الصحابة وجمهور أفاضلهم ما دخلوا في فتنة. قال عبد الله بن الإمام أحمد:((حدثنا أبي حدثنا إسماعيل بن علية حدثنا أيوب السختياني عن محمد بن سيرين، قال: هاجت الفتنة وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرات الألوف، فما حضرها منهم مائة، بل لم يبلغوا ثلاثين)) . قال ابن تيمية: ((وهذا الإسناد من أصح إسناد على وجه الأرض، ومحمد بن سيرين من أورع الناس في منطقته،