وقد عرض عليّ كتابه القيم في مسوّدته بجزئيه قبل طبعه للمشورة قبل أن ينشره في جزء واحد باسم جديد هو (إنسية الِإسلام) Humanisme de ١'Islam كما أهداني دراسة أخرى باللغة الِإنجليزية حول (التأثير المحتمل للِإسلام في القانون العمومي والدولي الغربي).
وقد أصبح اليوم من البديهي أن كثيراً من العناصر الحضارية الفلسفية والخلقية قد اندرجت في المدونات الأوروبية فىِ مختلف مجالات الفكر التشريعي دبلوماسياً وعسكرياً ومدنياً.
نعم إن الاتصالات بين الِإسلام وأوروبا قد وصلت تدريجياً عن طريق الأندلس وصقلية كما تبلورت عن طريق مراسي البندقية وجنوة وبيزة وقد كان التجار الأوروبيون يقضون عدة شهور في الشرق في أوائل الخريف ونصف الربيع من كل عام. فكان ذلك أول اتصالهم بالأخلاق والعادات الِإسلامية مما تمخض عن نواة القانون التجاري الدولي الذي برز أول ما برز من خلال انتشار مبدأ حرية البحار وذلك منذ القرن الثاني عشر الميلادي. وقد كان للموحدين دور فعال في ذلك حيث وضعوا المبادئ الأساسية لهذه القواعد وحاربوا القرصنة بأحداثهم ميليشية خاصة بتأمين البحار في الوقت الذي كانوا فيه سادة المتوسط مما حدا صلاح الدين الأيوبي إلى الاستنجاد بالأسطول المغربي ضد الصليبيين، وقد كان - كما يقول أندري جوليان في كتابه (تاريخ الشمال الِإفريقىِ) - أول أسطول في البحر الأبيض المتوسط، والموحدون هم أول من لقن مصطلحات التجارة الدولية أيضاً لأوروبا. هذا وإن أول بادرة نتجت عن حرية التبادل التجاري بين الشرق والغرب خاصة في المتوسط هي ظهور عملات تجاريين مهدوا للمبادلات الدبلوماسية فاصبحوا عبارة عن قناصلة أوروبيين على التراب الِإسلامي بعد الحروب الصليبية وقد بادر الِإيطاليون والقطلانيون الاسبان وتجار جنوب فرنسا (ناحية بروفانس) إلى إقامة هذه القنصليات في الشرق الِإسلامي فكان من لوازم هذا التأثير إدراج نص قانوني في دستور بلدية مرسيليا منذ القرن الثالث عشر حول احترام ملكية الأجانب ولو في ابان الحرب وذلك احتذاء بما كان يتمتع به التجار الفرنسيون على