للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

· مع أن المؤمن كلامه طيب، ولكن مدحه بأحسن دليل، تبدأ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ (علم الإيمان) بالكلمة الطيبة وتنتهي بالجهد الطيب، الكلام الطيب بداية الطريق والتضحية الطيبة نهاية الطريق، الكلمة الطيبة، في خط البداية: بيانات طيبة، حتى نمكن لنفي المخلوق وعدم التأثر بالمخلوق، ونمكن لعظمة الخالق في قلوبنا، وننفي هيبة المخلوق من قلوبنا، وننفي جمال وجلال المخلوق، وحتى ننفي هيمنة المخلوق، وحتى نتأثر بالخالق، فلابد بالتضحية الصادقة.

- لهذا نخرج في سبيل لله يومين ثلاثة، ويكون تركيزنا علي علم الإيمان، وعلم الأحكام حاجته غير حاجتي، علم الإيمان حاجتك حاجتي، حاجة مشتركة، كيف يأتي في قلوبنا الخوف من الجليل، والشوق إلي موعود الله من الجنان، حالنا اليوم مثل: حال أهل الأعراف، لا حال أهل الجنة، ولا حال أهل النار، قال تعالي: {وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْاْ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَن سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ * َإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاء أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَادَى أَصْحَابُ الأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ} (١) (٢) فإذا نظروا إلي أهل الجنة فيطمعون أن يدخلهم الله


(١) سورة الأعراف – الآيات من ٤٦: ٤٨ ... .
(٢) يقول ابن كثير (رحمه الله): لما ذكر تعالى مخاطبة أهل الجنة مع أهل النار، نبه أن بين الجنة والنار حجاباً، وهو الحاجز المانع من وصول أهل النار إلى الجنة، قال ابن جرير: وهو السور الذي قال الله تعالى فيه: {فضرب بينهم بسور له باب} وهو الأعراف الذي قال الله تعالى فيه: {وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ}، ثم روى بإسناده عن السدي أنه قال في قوله تعالى: {وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ} هو السور وهو الأعراف، وقال مجاهد: الأعراف حجاب بين الجنة والنار سور له باب. قال ابن جرير: والأعراف جمع عرف، وكل مرتفع من الأرض عند العرب يسمى عرفاً، وإنما قيل لعرف الديك عرفاً لارتفاعه. وعن ابن عباس: هو سور بين الجنة والنار، وقال السدي إنما سمي الأعراف أعرافاً لأن أصحابه يعرفون الناس، واختلفت عبارات المفسرين في أصحاب الأعراف من هم؟ وكلها قريبة ترجع إلى معنى واحد، وهو أنهم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم قال بذلك حذيفة وابن عباس وابن مسعود وغير واحد من السلف. وقد جاء في حديث مرفوع رواه الحافظ ابن مردويه عن جابر بن عبد الله قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمن استوت حسناته وسيئاته، قال: (أولئك أصحاب الأعراف لم يدخلوها وهم يطمعون) وقال ابن جرير عن حذيفة أنه سئل عن أصحاب الأعراف، قال فقال: هم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم، فقعدت بهم سيئاتهم عن الجنة، وخلفت بهم حسناتهم عن النار. قال: فوقفوا هناك على السور حتى يقضي الله فيهم.
وعن ابن مسعود قال: يحاسب الناس يوم القيامة، فمن كانت حسناته أكثر من سيئاته بواحدة دخل الجنة، ومن كانت سيئاته أكثر من حسناته بواحدة دخل النار، ثم قرأ قول الله: {فمن ثقلت موازينه} الآيتين، ثم قال: الميزان يخف بمثقال حبة، ويرجح، قال: ومن استوت حسناته وسيئاته كان من أصحاب الأعراف فوقفوا على الصراط ثم عرفوا أهل الجنة وأهل النار فإذا نظروا إلى أهل الجنة نادوا: سلام عليكم، وإذا صرفوا أبصارهم إلى يسارهم ونظروا إلى أهل النار {قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين} تعوذوا بالله من منازلهم، قال: فأما أصحاب الحسنات فإنهم يعطون نوراً يمشون به بين أيديهم وبأيمانهم، ويعطى كل عبد يومئذ نوراً، وكل أمة نوراً فإذا أتوا على الصراط سلب الله نور كل منافق ومنافقة، فلما رأى أهل الجنة ما لقي المنافقون قالوا: {ربنا أتمم لنا نورنا}، وأما أصحاب الأعراف فإن النور كان بأيديهم فلم ينزع، فهنالك يقول الله تعالى: {لم يدخلوها وهم يطمعون} فكان الطمع دخولاً، قال: فقال ابن مسعود إن العبد إذا عمل حسنة كتب له بها عشر، وإذا عمل سيئة لم تكتب إلا واحدة، ثم يقول: هلك من غلبت آحاده عشراته " رواه ابن جرير عن ابن مسعود موقوفاً "، وسئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أصحاب الأعراف؟ قال: (هم آخر من يفصل بينهم من العباد، فإذا فرغ رب العالمين من الفصل بين العباد، قال: أنتم قوم أخرجتكم حسناتكم من النار، ولم تدخلوا الجنة، فأنتم عتقائي، فارعوا من الجنة حيث شئتم) " قال ابن كثير: هذا مرسل حسن ".
وقد حكى القرطبي وغيره فيهم اثني عشر قولاً، وقوله تعالى: {يعرفون كلاً بسيماهم}، قال ابن عباس: يعرفون أهل الجنة ببياض الوجوه، وأهل النار بسواد الوجوه، وقال العوفي عن ابن عباس: أنزلهم الله بتلك المنزلة ليعرفوا من في الجنة والنار، وليعرفوا أهل النار بسواد الوجوه، ويتعوذوا بالله أن يجعلهم مع القوم الظالمين، وهم في ذلك يحيون أهل الجنة بالسلام لم يدخلوها وهم يطمعون أن يدخلوها، وهم داخلوها إن شاء الله، وقال الحسن إنه تلا هذه الآية: {لم يدخلوها وهم يطمعون} قال: والله ما جعل ذلك الطمع في قلوبهم إلا لكرامة يريدها بهم، وقال قتادة: قد أنبأكم بمكانهم من الطمع، وقوله: {وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا: ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين}. قال الضحاك عن ابن عباس: إن أصحاب الأعراف إذا نظروا إلى أهل النار وعرفوهم قالوا =ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين. وقال السدي: وإذا مروا بهم يعني أصحاب الأعراف بزمرة يذهب بها إلى النار قالوا: ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين. وقال عكرمة: تحدد وجوههم للنار، فإذا رأوا أصحاب الجنة ذهب ذلك عنهم، وقال ابن أسلم في قوله: {وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار} فرأوا وجوههم مسودة وأعينهم مزرقة {قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين}.) مختصر تفسير ابن كثير).

<<  <   >  >>