ونقل الطبري عن بعض أهلِ العربية، وهو الفرَّاء، فقال: «لم يشأ الله أن تنسى شيئاً، وهو كقوله: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ} [هود: ١٠٧]، ولا يشاء. قال: وأنت قائل في الكلام: لأعطينَّكَ كلَّ ما سألتَ إلاَّ ما شئتُ، وإلاَّ أن أشاء أن أمنعَك، والنيةُ أن لا تمنَعه، ولا تشاءَ شيئاً. قال: وعلى هذا مجاري الأيمان، يستثنَى فيها، ونيَّة الحالف اللَّمام». وهذا القول فيه إخراجٌ للاستثناء عن معناهُ دونَ ما يدعو إليه من المعنى، والمعنى المفسَّر على بقاء الاستثناء واضحٌ ومطابِقٌ للواقع، وهذا مما يدلُّ على خطأ هذا القول، والأصلُ بقاء اللفظِ على ما يدلُّ عليه، ولا يُخرَج عنه إلاَّ بدليل، والله أعلم. (١) مقصودُ الآية أنها حجَّةٌ على الكافر وتَذْكِرَةٌ للمؤمن، كما قال الحسن البصري، وهذا يدلُّ على أنَّ التذكيرَ واجبٌ في كل حال، وأنها نافعةٌ في كل حال، ولا يصحُّ أن يكون لهذا الشرط مقابِلٌ؛ أي: وإن لم تنفع فلا تذكر، إذ لا وجه لتقييد التذكير بما إذا كانت الذِّكرى نافعة؛ لأنه لا سبيلَ إلى تعرُّفِ مواقع نفعِ الذكرى. فالدعوة عامة، وما يعلمه الله من أحوال الناسِ في قَبولِ الهُدى أو عَدَمِه أمرٌ استأثرَ اللَّهُ بعلمِه، فأبو جهلٍ مَدْعُوٌّ للإيمان، والله يعلمُ أنه لا يؤمِن، لكنَّ اللَّهَ لم يخصَّ بالدعوة من يُرجى إيمانُه دون غيرهم، والواقع يكشفُ المقدور. وعلى هذا فقوله: {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى} أمرٌ بتذكيرِ كلِّ أحدٍ، فإن انتفعَ كانت تذكرةً تامةً نافعةً، وإلاَّ حصلَ أصلُ التذكيرِ الذي تقومُ به الحجة والله أعلم. (انظر: دقائق التفسير: ٥: ٧٥ - ٨٤). =