والثاني: طور سينين، وهو طورُ سيناء الذي كلَّم اللَّهُ عليه موسى بن عمران. والثالث: مكة، وهو البلد الأمين الذي من دخله كان آمناً، وهو الذي أرسلَ الله فيه محمداً صلّى الله عليه وسلّم. قالوا: وفي آخر التوراة ذِكْرُ هذه الأماكنِ الثلاثة: جاء الله من طُور سيناء ـ يعني: الذي كلَّمَ اللَّهُ عليه موسى بن عمران ـ، وأشرقَ من ساعير ـ يعني: جبلَ بيتِ المقدِس الذي بَعَثَ الله منه عيسى ـ، واستعْلَنَ من جبالِ فاران ـ يعني: جبالَ مكة التي أرسلَ الله منها محمداً ـ، فذَكَرَهُم على الترتيب الوجودي بحسب ترتيبِهم في الزمان. ولهذا أقسمَ بالأشرف، ثُمَّ الأشرفِ منه، ثُمَّ بالأشرفِ منهما». (تفسير ابن كثير، وانظر: التحرير والتنوير). (١) وردَ عن جمعٍ من السلف تفسيره بجبل موسى الذي في سيناء، وردَ ذلك عن الحسن من طريق عوف، وكعب الأحبار من طريق يزيد أبي عبد الله، وابن عباس من طريق العوفي، وذكره بعضهم باسمِ مسجدِ موسى، ورد ذلك عن قتادة من طريق هشام، وابن زيد. وفسَّر بعضُهم معنى الطور، فقال: الطور: الجبل، ورَدَ ذلك عن عكرمة من طريق أبي رجاء، وعمرو بن ميمون، ومجاهد من طريق ابن أبي نجيح، وورد عن عكرمة من طريق النضر، والكلبي، من طريق معمر، تقييدَهُ بالجبل الذي يُنبت. وفسَّر عكرمة من طريق عمارة وأبي رجاء «سينين» بالحسن، قال: «وهي لغة الحَبَشَة، يقولون للشيءِ الحَسَنِ: سينا سينا». وفسَّره مجاهد من طريق ابن أبي نجيح بالمبارك، وقال قتادة من طريق معمر: «جبلٌ بالشام مباركٌ حَسَن». قال الطبري: «وأَوْلَى الأقوالِ في ذلك بالصواب، قول من قال: طور سينين: جبلٌ معروف؛ لأن الطورَ هو الجبلُ ذو النبات، فإضافته إلى سينين تعريفٌ له، ولو كان نعتاً للطور، كما قال من قال: معناه: الحسن أو مبارك، لكان الطورُ منوَّناً، وذلك أنَّ الشيءَ لا يضافُ إلى نعته لغير عِلَّةٍ تدعو إلى ذلك». وهذا الذي قاله الطبري صوابٌ، غير أنه يمكن أن تُحتمل بعض هذه الأقوال، فمن فسَّره بالجبل أراد، ـ والله أعلم ـ بيانَ معنى الطور في اللغة. كما أن قول قتادة: «جبلٌ بالشام مبارَكٌ حَسَن» يمكن أن لا يكون تفسيراً لفظياً لسينين، ولكنه أراد أنَّ هذا الجبلَ الذي في سيناء مبارك بما حفَّه من نزولِ الرسالة على موسى، وهو حسنٌ لما فيه من الأشجار التي تغطِّيه، والله أعلم. =