ومن ثمَّ يكون سبب الاختلاف: أن أصحابَ القولِ الأول حملوا اللفظَ على مصطلحِه الشرعي، وأصحابَ القولِ الثاني حملوه على معناه اللغوي، وإن صحَّ تفسيره بالمعنى اللغوي، فإنَّ الاختلافَ يرجعُ إلى معنًى واحد، وهو معنى العمومِ الذي تكون الأقوالُ الأخرى (نهرٌ في الجنة، القرآن، الحِكمة) أمثلة له، والله أعلم. (١) اختلفَ السلفُ في المراد بقوله تعالى: {وَانْحَرْ} على أقوال: الأول: اذْبَحْ لله، ورد ذلك عن أنس بن مالك من طريق جابر، وابن عباس من طريق علي بن أبي طلحة، وعكرمة من طريق جابر وثابت بن أبي صفية، والربيع بن أنس من طريق أبي جعفر، وعطاء بن أبي رباح من طريق فطر بن خليفة، والحسن من طريق عوف وأبان بن خالد، وقتادة من طريق معمر وسعيد، ومجاهد من طريق ابن أبي نجيح، ومحمد بن كعب القرظي من طريق أبي صخر، وسعيد بن جبير من طريق أبي معاوية البجلي، وابن زيد، وبينهم في المراد بما نزلت فيه الآية اختلافُ، فقيل: في ذبحِ يوم النحرِ، وقيل: في عُموم الذبح، وقيل: في ذبح الهَدْي يوم الحُديبية، وهذا الاختلاف لا يُخرِج معنى النَّحْرِ عن الذبح، والأَوْلى العموم، وأن تكونَ الأقوالُ الأخرى داخلةً فيه على سبيلِ الأمثلة لهذا العموم؛ لأنه مأمور أن تكونَ ذبيحتُه لله في كل حال، كما قال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: ١٦٢]. الثاني: ضَعْ يَدَكَ اليمين على الشمال، ثم ضعهُما على صدرِك في الصلاة، وهو قول علي بن أبي طالب من طريق عقبة بن ظبيان (ويقال: ظهير، انظر: الجرح والتعديل) عن أبيه، (قال عنه ابن كثير: ولا يصح)، وعن أبي القموص زيد بن علي من طريق عوف. الثالث: ارفع يدكَ إلى نحرِك عند الدخول في الصلاة، ورد ذلك عن أبي جعفر الباقر من طريق جابر. وقد ذكر الطبري قولاً لبعضِ أهلِ العربية، وهو الفراء، أن المعنى: «استقبِل القبلةَ بنَحْرِكَ»، واستدلَّ الفراء بما سمِعَه من بعض العرب، يقول: «منازلهم متناحرة»؛ أي: هذا بنحر هذا؛ أي: قُبالته، وببيتٍ من الشعر ذكَره. والقولُ الأولُ هو الصحيح؛ لأنه المشهور من معنى اللفظ، ومنه يومُ النَّحْرِ، ونَحْرُ البُدْنِ، وغيرُها، قال الطبري: «وأَوْلى هذه الأقوالِ عندي بالصواب، قول من قال: =