أما تفسيرُ أبي بن كعب، فإن لم تحمله على أنه معنًى لغوي آخر للحشر، فإنه من لوازم الحشر؛ أي: أنَّ جمعَ هذه الحيوانات جعلها تختلطُ ببعضها دون خوفٍ أو غيره مما كان من حالها قبل ذلك، والله أعلم. (١) قُرئ حرف «سُجِّرت» بتخفيف الجيم وتشديدها، وفي التشديد مبالغة في السَّجْرِ، وكِلا القراءتين جاءت على صيغة المفعول للاهتمام بالحدث. وقد اختلف السلف في تفسير التَّسْجير في هذه الآية على أقوال: الأول: أُشعلت وأُوقدت، وهذا قول أُبي بن كعب من طريق أبي العالية، وابن عباس من طريق شيخ من بجيلة، وابن زيد، وشمر بن عطية، وسفيان الثوري من طريق ابن مهران، ومن طريق سعيد بن المسيب عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: «قال علي رضي الله عنه لرجل من اليهود: أين جهنَّم؟ فقال: في البحر، فقال: ما أُراه إلا صادقاً {وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ} [الطور: ٦]، {وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ} [التكوير: ٦] مخفَّفة». الثاني: فاضت، وهو قول الربيع بن خثيم، وقال الكلبي: مُلئت، وجعلها نظير قوله تعالى: {وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ} [الطور: ٦]. الثالث: فجِّرت، وهو قول الضحَّاك من طريق عبيد، وكأنه جعلها نظير قوله تعالى: {وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ} [الانفطار: ٣]. الرابع: ذهبَ ماؤها، وهو قول قتادة من طريق معمر وسعيد، وقال الحسن من طريق أبي رجاء وسليمان بن المعتمر: يبسَت. قال أبو جعفر الطبري: «وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، قول من قال: معنى ذلك: مُلئت حتى فاضت، فانفجرت وسالت، كما وصفها الله به في الموضع الآخر، فقال: {وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ} [الانفطار: ٣]، والعرب تقول للركِيِّ المملوء: ماء مسجور، ومنه قول لبيد: فتوسطا عرض السري وصدعا مسجورة متجاوراً قلامها ويعني بالمسجورة: المملوءة ماء». والسَّجْرُ في لغة العرب يطلق على معان ثلاثة مما ذكر في التفسير، وهي: الامتلاء، والإيقاد، واليُبس، ومن ثَمَّ فإن الآية تحتمل هذه المعاني الثلاثة التي ذكرها السلف، =