وإذا صحَّ ذلك، فإن الأمرَ يكون بأن تتفجَّر البحارُ ويفيضَ بعضها على بعض، حتى تصير بحراً واحداً ممتلئاً، ثم تُوقدَ بالنار ـ التي ورد في بعض الآثار أنها تحت البحر ـ ثم تَيْبَسَ ويذهبَ ماؤها، والله أعلم. ويظهرُ أن سببَ الاختلاف هنا: الاشتراك اللغوي في لفظ «سُجِّرت»، وهو من قبيل اختلاف التنوع الذي يرجع إلى أكثر من قولٍ، كما يُلاحَظُ أن بين قولي الامتلاء واليُبس تضاداً، ولكن جاز حمل الآية عليهما لاختلاف الحال والوقت الذي يكون فيه هذان المعنيان، والله أعلم. (١) هذه الآية وما بعدها تكون بعدَ البعثِ كما ذكر أبي بن كعب، وهذا ظاهر من أمر هذه الآياتِ الستِّ القادمة، والله أعلم. (٢) اختلف السَّلف في تفسير الآية على قولين: الأول: أُلحِقَ كلُّ إنسانٍ بشكله، وقُرِنَ بين الضُّرَباء والأمثال، وهذا قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: هما الرجُلان يعملان العمل، فيدخلان به الجنة، وقال: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ} [الصافات: ٢٢] قال: ضُرَباءهم. وقال ابن عباس من طريق العوفي: ذلك حين يكون الناس أزواجاً ثلاثة، وهو قول الحسن من طريق عوف، ومجاهد من طريق ابن أبي نجيح، وقتادة من طريق سعيد، والربيع بن خثيم. الثاني: رُدَّتِ الأرواحُ إلى الأجسادِ، فجُعلت لها زوجاً، وهو قول عكرمة من طريق أبي عمرو، والشعبي من طريق داود. والقول الأول هو الراجح، قال الطبري: «وأَوْلى التأويلين في ذلك بالصحَّة، الذي تأوَّلَه عمر بن الخطاب رضي الله عنه للعلَّة التي اعتلَّ بها، وذلك قوله تعالى ذكره: {وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلاَثَةً} [الواقعة: ٧]، وقوله: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ} [الصافات: ٢٢]، وذلك ـ ولا شكَّ ـ الأمثال والأشكال في الخير والشر، وكذلك قوله: {وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ} [التكوير: ٧] بالقُرناء والأمثال في الخير والشر».