للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

أما العلم الذي لا ينفع فقد جاء الأمر بالاستعاذة منه، نعم، يتعوذ الإنسان من علم لا ينفع؛ لأنه وبال على صاحبه، فإذا ترك ما أمر به وقد علم وبلغه الأمر أو ارتكب ما نهي عنه بعد أن بلغه وعرف النهي، هذا ليس بعالم، هذا جاهل، فالذي يحمله الفساق هو ليس بعلم، ليس بعلم، وإن سماه الناس علماً، لكنه ليس بعلم؛ ((يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله))، إنما يحمل العلم الشرعي العدول من الناس، قد يقول قائل: إنه يوجد في الواقع أناس يشار إليهم وعندهم علم، وعندهم شهادات بالعلوم الشرعية، لكن في الحقيقة ليس بعلم؛ لأنه جاء في الحديث وإن اختلف في تصحيحه.

((يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله)) ابن عبد البر يقول: إن من يحمل العلم فهو عدل، يكفي كونه يحمل العلم.

قلت ولابن عبد البر كل من عني ... بحمله العلم ولم يوهن

فإنه عدل بقول المصطفى ... يحمل هذا العلم لكن خولفا

لكن المسألة عرفية، يعني بعض الناس يقول: إنه عالم، لكنه عالم ليس بعالم رباني، ولا عالم حق، إنما هو عالم ضلال، والمتجه أنه جاهل وليس بعالم؛ بدليل قوله تعالى: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ} [(١٧) سورة النساء]، يعملون السوء بجهالة، كل من عصى الله هو جاهل، ولو هو حامل علوم الدنيا، فكل من عصى الله -جل وعلا- فهو جاهل.

هل معنى هذا أن الذي لا يعرف حكم الزنا ويزني تقبل توبته، والذي يعرف حكم الزنا ويزني لا تقبل توبته؟ لا، الذي يعرف الحكم والذي لا يعرف الحكم كلهم جهال، فدل على أن الذي لا يعمل بعلمه جاهل، دلت الآية على أن الذي لا يعمل هو جاهل، وإن ادعى، وإن ادعي له أنه عالم. فمن علم فليعمل: نعم.

حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش قال: "أتيت صفوان بن عسال المرادي فقال: ما جاء بك؟ قلت: طلب العلم، فقال: "إن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضا لما يطلب".

<<  <  ج: ص:  >  >>