قام فيهم أبو هريرة يحدثهم عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى أصبح": وقد حفظ عن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما لم يحفظه غيره، فهذا المثال للعطاء، وتلك أمثلة للورع، وكلاهما مطلوب، لا نضرب هذا بهذا، لا نضرب هذا بهذا، الورع مطلوب في وقته، والبذل والعطاء والبيان مطلوب في وقته، مثل ما يحتاج إلى الحلم أحياناً، ويحتاج إلى السيف أحياناً، هذا لا يصح في موضع هذا ولا يصح في موضع هذا، لو أن أبا هريرة تورع ودفع من ينقل لنا هذه الأحاديث، من ينقل لنا؟ ما في أحد، ولو أن أولئك الأقوام من سلف هذه الأمة وخيارها ما ضربوا لنا أمثلة في الورع من يتوقف عن التحديث بكل شي؟ ما يكون هناك خطام ولا زمام، السلف يحدثون نحدث، لكن هذا علاج -صنيع أبي هريرة- علاج لمن بخل بعلمه، وصنيع أولئك من الورع علاج لمن حدث بكل شيء، نعم.
حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا الوليد بن مسلم قال: حدثنا الأوزاعي عن مكحول قال: "إن لم يكن في مجالسة الناس ومخالطتهم خير فالعزلة أسلم".
العزلة والخلطة: جاءت النصوص بهذا وهذا، النصوص الصحيحة جاءت بالخلطة -مخالطة الناس- ونفع الناس والصبر على آذاهم، وشرعت الجمع والجماعات والأعياد والحج، كل هذا من أجل الخلطة وهي الأصل، لكن إذا خشي الإنسان على دينه فالسلامة لا يعدلها شيء، ((يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال، يفر بدينه من الفتن)) فبعض الناس المتجه في حقه المخالطة، وبعض الناس المتجه في حقه العزلة، والشراح من القرن الثامن وهم يقولون: والمتعين في هذه الأزمان العزلة؛ لاستحالة خلو المحافل من الجرائم والمعاصي، يعني مجتمعات الناس ما تسلم، فكيف بهم لو رأوا زمننا هذا؟!