"تواعد الناس ليلة من الليالي إلى قبة من قباب معاوية: قبة خيمة، قبة من قباب معاوية، فاجتمعوا فيها: ليغتنموا فرصة وجود الصحابي الجليل حافظ الأمة أبي هريرة الذي حفظ عن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما لم يحفظه غيره بسبب الدعوة النبوية، وبسبب وبركة بسط الرداء الذي أمره به النبي -عليه الصلاة والسلام-، كان يحفظ ولا ينسى، وأقرانه وإخوانه من كبار الصحابة ومتوسطيهم وصغارهم يشغلهم الضرب في الأسواق والشغل بالأموال وهو متفرغ للحفظ، حتى صار بحق حافظ الأمة، ولا يطعن فيه إلا عدو للإسلام؛ لأن الطعن في مثل أبي هريرة يريح العدو، يهدم به نصف الإسلام، ولذا تجدون الحملة على أبي هريرة من قبل المبتدعة أكثر منها على غيره؛ لأنه بالطعن في أبي هريرة يرتاحون من نصف ما يروى عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن ما في أحد طعن في آبي اللحم، أو أبيض من حمال، أو الصحابة المقلين، ويتعبهم، يحتاج إلى اللي يطعن لألف شخص على شان يعادل أبي هريرة، وقد دعا النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يحببه إلى الأمة ويحبب الأمة إليه، فكان كل من رآه من أهل الفضل يحبه، ولا يبغض أبا هريرة إلا من كان في قلبه نفاق، نسأل الله السلامة والعافية.
ويذكر العلماء ويؤكدونها بأسانيد ثابتة أنهم كانوا في مجلس -تداولها أهل العلم هذه القصة- فتكلم شخص في أبي هريرة فنزلت حية من السقف فلدغته فمات.
اجتمعوا فيها، فقام أبو هريرة يحدثهم: لأنه أخذ العهد والميثاق على من كان عنده شيء من العلم أن يبلغه لغيره ولا يكتمه، نعم، وهذا له مجال، وذاك أيضاً التدافع له مجال، إذا وجد من يكفيه يحرص ألا ينسب إليه العلم، لكن إذا لم يوجد من يكفيه يحدث، ((بلغوا عني ولو آية)) -كما سيأتي- مأمور بالبلاغ، وقد أخذ الله -جل وعلا- الميثاق على أهل العلم بالبيان أن يبينوا للناس ما نزل إليهم.