للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد كان للسلف أحوال يطول ذكرها مع القرآن في هذا الشهر الكريم، والمقصود هنا التنبيه على أفضل ما يشرع من العبادات في هذا الشهر الكريم، وإن كان جنسها مشروعا في غير رمضان لكن فضلها في رمضان أكبر وأجرها أعظم.

ومما يشرع أيضا في هذا الشهر كثرة البذل والصدقات؛ فإن هذا من سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان جبريل عليه السلام يلقاه كل ليلة في رمضان حتى ينسلخ، يعرض عليه النبي صلى الله عليه وسلم القرآن، فإذا لقيه جبريل عليه السلام كان أجود بالخير من الريح المرسلة (١) » . ومما يشرع في هذا الشهر الكريم من العبادات الاعتكاف.

والاعتكاف في اللغة: من العكوف، وهو بمعنى الإقامة على الشيء، ولزومه.

وفي الشرع: التعبد لله عز وجل، بلزوم بيت من ييوت الله، من شخص مخصوص، على صفة مخصوصة.

وهو مشروع في المساجد كلها لعموم قوله تعالى: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} (٢) ولا حد لأكثره باتفاق. واختلفوا في أقله، فمن قائل أقله يوم وليلة، ومن قائل بل يوم أو ليلة، ومن قائل بل ساعة، ومنهم من قال بل يكفي المرور بنية الاعتكاف. ومنهم من اشترط الصوم للاعتكاف، والصحيح عدم اشتراطه؛ لحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: «يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أوف بنذرك فاعتكف ليلة (٣) » رواه البخاري ومسلم.


(١) صحيح البخاري الصوم (١٩٠٢) ، صحيح مسلم الفضائل (٢٣٠٨) ، سنن النسائي الصيام (٢٠٩٥) ، مسند أحمد بن حنبل (١/٣٦٣) .
(٢) سورة البقرة الآية ١٨٧
(٣) صحيح البخاري الاعتكاف (٢٠٤٢) ، صحيح مسلم الأيمان (١٦٥٦) ، سنن الترمذي النذور والأيمان (١٥٣٩) ، سنن النسائي الأيمان والنذور (٣٨٢٢) ، سنن أبو داود الأيمان والنذور (٣٣٢٥) ، سنن ابن ماجه الصيام (١٧٧٢) ، مسند أحمد بن حنبل (٢/١٥٤) ، سنن الدارمي النذور والأيمان (٢٣٣٣) .

<<  <   >  >>