للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن نظر إلى هذه الملاحظات بعين البصيرة أدرك ما فيه من مخالفات شرعية كثيرة، لكن لما كان المقال منشورا ومتداولا، وأن بعض الناس قد يغتر بما فيه، رأينا إيضاح الحق ورد الباطل، فنقول مستعينين بالله: إن الأمور الشرعية يجب أن تصان عن عبث العابثين، فالأحكام الشرعية لا يتكلم فيها إلا من هو أهل لها ممن حصل العلم، ودرس على العلماء الموثوقين، والله تعالى يقول: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (١) فخص السؤال فيما لا يعلم العبد بأهل الذكر؛ لأنهم أعلم الناس بمراد الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ويقول سبحانه: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} (٢) ، فبين أن العلماء لا يمكن أن يساووا بغيرهم، وأن غير العالم لا يمكن أن يكون في منزلته، ونحن نعلم يقينا بما أخبرنا الله به، وحذرنا من القول عليه بلا علم، بقوله سبحانه: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} (٣) ويقول سبحانه: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} (٤) ، وأيضا فإنا نرى في الواقع أن من تكلم في غير فنه أتى بالعجائب، ومن ذلك ما تعرض له الكاتب في مقاله المذكور، فتساؤله عن المقصد الشرعي لغسل الميت، ودعواه أن العلماء ينظرون دائما إلى علة الحكم؛ لتكون أساس الاعتبار في الفتوى، فإن هذا الكلام ليس في محله ألبتة، فإنه من المعلوم أن الأحكام معللة، لكن معرفة علة كل حكم هذا ما لم يدعه أحد من العلماء، ولا جعلوه أساسا للفتوى بحال، بل إن بينهم اتفاقا على أن بعض الأحكام لا تعلم علتها، وهو ما يعبر عنه البعض بقولهم " العلة تعبدية " وأساس الفتوى لكل عالم هو الدليل، فمتى ثبت عنده


(١) سورة النحل الآية ٤٣
(٢) سورة الزمر الآية ٩
(٣) سورة الأعراف الآية ٣٣
(٤) سورة الإسراء الآية ٣٦

<<  <   >  >>