للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فيمسحونه ويطعمونه ويعبثون به، فأسرَّ إليه الحمار يوماً أنه ليس حماراً.

قال: وما عساك تكون؟ وما هذا الجلد؟ وما هذا الحافر؟ ثم اقتصه القصة فزعم له الحمار أن هذا الجلد الذي هو فيه إنما أشبهَ به الحمير ليكون إرهاصاً للمعجزة التي بُعث بها!

قال الكلب: وإنك لصاحب معجزة؟ قال: نعم فإياك أن يعتريك

شك أو تكذيب، وإنما بعثت حماراً لأن جنس الإنسان قد فطر على ضرائب من اللؤم والخمسة والدناءة فليس أقربَ إليه من الشك والحسد والجحود، وما تغني فيه الآيات والنذُر، ولا يجيئه من نبي ولا رسول بمعجزة إلا حسده فردها عليه بالحسد فكفر بردِّها عليه، وكان في الأنبياء مَن فَلق البحر ومن أحيا الموتى ومن شق القمر نصفين، ثم لا يزال الكفر مع ذلك باقياً على الأرض فلم يَغُز كما يغور الماء، ولم يمت كما يموت الحي، ولم يَبْل كما يَبلَى الميت، فلعمري ما بقي في حكم العقل ولا في حيلة الظن لإيمان هذا الجنس الممقوت إلا أن تجيئه المعجزة في جِلد حمار!

قال الكلب: لعمري وعَمرُ أبي إن هذا لهو الرأي، وإن أمرك لأمر له ما بعده، وأنا حَوارِيُّك في هذه الرسالة، أخبرني ما

أنت صانع فلعلي أن أقوم فيه مقاماً، فإنك لتعلم ما عندي من الوفاء والأمانة، وأنت حقيق أن يستكفيني بعض أمرك، فقد عُرفنا معشر الكلاب بهذه الخلال الفاضلة، حتى إن الناس لا يجدون لهم أمثالاً يضربونها إلا منا كلما ذكروا الوفاء أو تمثلوا فيه.

قال الحمار: أخزى الله هؤلاء الناس؛ يضربون بكم المثل

في الأمانة والوفاء ثم لا يَسبُّ بعضهم بعضاً إلا قالوا يا كلب ويا ابن

الكلب. . .!

قال دمنة: ثم إنه قال للكلب: ادْنُ مني حتى أعهد إليك، وإياك أن

يعتريك داء الكلام في الصياح لكل نبأةِ فتفشي ما ائتمنتك عليه؛ فقد قالت

العلماء إن أشقى الخلق من شَقَى بصاحب معجزة!

قال الكلب: وإن كان حماراً. . .؟

قال: اعْزبْ عني فَعل الله بك وفَعَل، ما أنتَ بصاحبها وإن الكلاب

لكثيرة بعدُ؛ وتالله إن رأيتُ كلبَ سَوْءٍ كاليوم؛ فانكسر الكلب وخشي أن يصيبه ما قالت العلماء، وبصبص بذنبه قليلاً ثم إنه دنا من الحمار وقال: ما أخطأ الناس في تنابزهم بالكلاب فقد عرفتُ معرَّة جنسي، وأنا تائب إليك مما فرط مني، فاعهد إليَّ بعهدك وخُذني بما أحببت فلن تجدني إلا حيث يسرك أن

تجدني.

قال الحمار: بارك الله عليك " وأَعظَم " لك. . . فقد ترى هؤلاء الصبيان

الذين يألفونك ويُلقون إليك بَكسر الخبز، فانظر فيما تحتال به حتى تأتيني بهم

فإن أولَ بَدأتي في المعجزة أن أكون معلم صِبيان.

فذهب الكلب فربض على

<<  <   >  >>