للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[فيلسوفة النمل. . .]

لقد أضجرني بعضُ الناس وآذَوني بإحسانهم، إذ جعلوا نسختي من "كليلة

ودمنة " أكبر همهم من الأدب وأكثرَ قولهم في الكتابة، فأنا كل يوم أتلقى من

كتبهم ما لا أقضي منه عجباً، ولا يدرون أنهم بذلك يسبون الجامعة المصرية إذ كيف يبلغ مثلي جسيماً من الأمر في البيان والكتابة وعندنا هذه الجامعة الكبرى وفيها شيء اسمه أستاذ الآداب العربية؛ فلم لا يسألون أستاذ الآداب هذا أن يُبدِع لهم فناً من فنون الكتابة ليدل به على قيمة نفسه ويعلمهم موضعه، ثم يدل بقيمة نفسه وموضعه على مكانة الجامعة؛ والعهد بكل جامعة في الدنيا أن لا يَدرس فيها الأدبَ إلا بليغ مخترع يحمل قلماً كهربائياً في جمعه بين سلكَي الشعر والكتابة، وفي سطوع النور البياني منهما معاً آخِذاً من هذا مادة ومن هذا مادة، فيقذف بالعبارة المضيئة المشرقة تخطف خطف البرق وإنَّ فيها بعدُ لقوةَ السماء وروحاً من روح الكون كله.

فإن قالوا إن إستاذ الأدب في الجامعة المصرية رجل سوقى الطبع غليظ

الروح مطموس على قلبه، تفْضلُهُ العامة في النكتة البيانية وفي استعداد الطبع

الشعري. وفي رقة الروح، وإنه لذلك يعادي البلاغة العربية بجهده لما يعرف من الوهن في كلامه، ومن ذلك ما يزعم أنه "جديد" أي لا يقاس إلا بقياسه هو لا بقياس من فلان وفلان - إن زعموا ذلك قلنا: فالجديد في كل هذا أن الجامعة المصرية تحمل الشهادة على نفسها من هذا الرجل بأنها في إحدى اثنتين: إما غاشة مخادعة، وإما مغفلة مخدوعة؛ فسلوها أيهما هي؟

أما إن طه حسين جديد على الدنيا غريب فيها بنبوغه منفي من ملكوت

السماوات محروم لذات الجنة مرسل إلى مصر خاصة ليجدد هذه الأمة ثم يعود

إلى سمائه بعد هذا "الانتداب" الإلهي. . . فقد قال كليلة: وإن الجنون قد يكون من بعض العقل، وذلك حين يقطع العقل بالظن الضعيف ويحكم بالرأي القائل

وليس مع هذا الظن برهان ولا مع ذلك الرأي دليل، كالذي كان من عقل

فيلسوفة النمل.

<<  <   >  >>