للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كما أن العقل محل الخطأ، فلمَ يكون الشيخ كافراً ومؤمناً في عقله

وشعوره، ولا يكون في فلسفته هذه مغفلاً من ناحية ومخطئاً من ناحية أخرى؟

وهل يجتمع هذا التناقض إلا في عقل واهن ضعيف كعقل الأستاذ؛ وإلا فمن

هذا الذي يعقل أن نفي النبوة والوحي وتكذيب الكتب السماوية هو على وصف من الأوصاف علمٌ وعقل، وعلى وصف آخر دين وإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله، ويكون اجتماع الوصفين في رجل واحد شخصيتين لهذا الرجل الواحد؟

وفي أي عقل أن في النفي إثباتاً لما تنفيه، وهما نقيضان ولا يجتمع نقيضان معاً

في هذا الكون كله، فإن هذا الكون نواميس لا تعرف حرية البحث ولا حرية الرأي، وليس فيها ناموس مختل اسمه طه حسين، وحكم الشرع أنك متى كفرت فقد كفرت، لا يُقبل منك عدل ولا صرف حتى ترجع عن رأيك وتتوب منه وتجدد إسلامك.

ثم من الذي يسمي الشعور شخصية والعقلَ شخصية، وفي أي تفسيم

هذا؛ وعلى هذا القياس فالنسيان شخصية والذكر شخصية، والإنسان كله

شخصيات، أي كله أناس؛ إنما الشخصيتان في عرف العلماء أن يكون لامرئ من الناس حالة معينة من عيشه وعمله فيؤخذ عن نفسه بضرب من الذهول يغيره

ويحيله إلى شخص آخر، فتراه ينكر اسمه ونفسه وأهله وعمله ويذهب في نحو

غير ذلك من الحياة كأنه رجل غير الذي كان بل كان روحاً أخرى تقمصته؛ ثم يزول ما اعتراه فيرجع إلى شخصه الأول ويعود إلى سيرته الأولى؛ وذلك عندنا محض هذيان، فإنا لا نقول بالتقمص ولا بالتسربل، ولا نرى مثل هذا إلا قد اعتراه شيء في مركز من مراكز المخ فجعل يقظته كأنها حلم، حتىْ إذا زال العارض رجع إلى وعيه وثاب إلى نفسه (١) .

يخلط طه في معنى العلم ومعنى الدين فيذكر أنهما لا يلتقيان إلا إذا نزل

أحدهما للآخر عن شخصيته، ويزعم أن العلم لا يرى الدين إلا قد خرج من

الأرض كما تخرج الجماعة، فمتى قطع العلم على أن الجماعة الإنسانية خرجت من الأرض وقد أخذ مذهب دارون يتصدع ويتخرب على زلازل القلم وانحياز ناموس النشوء عن هذه الجهة الحيوانية؟


(١) علم النفس في أحدث ما انتهى إليه ينقض كلام طه في مسألة الذات العاقلة والذات الشاعرة ولا يقبل هذا النقسيم.

<<  <   >  >>