للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والمجدد الجريء. . . أن جراءة المجنون من عمل أعصابه المريضة، وجراءة

المجدد من عمل نفسه المريضة، وأمراض النفس كثيرة، منها التقليد، ومنها

حب الصيت والشهرة والمحمدة، ومنها الغرور والاستطالة والتعنت، ومنها

الكفر والإلحاد، فإذا رأيت مجدداً من أصحابنا فثق أنك منه بإزاء رجل مريض النفس، ولا يقذفن في روعك أنه فيلسوف أو علامة أو أديب، فهذه الصفات أو أشباهها لا قيمة لها ألبتة إذا عريت من الخلق الذي يقوم به أمر الأمة وتصلح الأمة عليه من دين وأدب وفضيلة.

والقوة المدمرة التي تعمل في نقض النظام

تفتك في كل معنى بسلاحه الذي هو أقطع فيه، فهي كما تظهر في أهل الفسق والدعارة واللصوصية وأهل الظلم والتعسف، تظهر بمقادير أخرى في بعض الفلاسفة والعلماء والأدباء، لأن هذه القوة تلون الرذائل كما تلون الأثمار.

وانظر ما الفرق بين ثمرة كالحة مرة وأخرى ناضرة مرة، أو بين حمراء وصفراء

تستويان في كراهة المذاقة ولؤم الطعم، أو بين عالم مفسد برأيه ولص مفسد

بعمله، أو بين فاجر ساقط النفس وبين أستاذ لئيم النفس؛ أما إنها كلها أسلحة تعمل عملاً متشابهاً وإن اختلفت في أنواع التمزيق ومقاديره، وليس يشفع في إرادة الشر أنه جاء من رجل عالم أو أديب أو مدرس في الجامعة المصرية، كما لا يزيد فيه مجيئه من فاجر أو عيَّار أو متشطر أو سفاح؛ إذ هو هو في جميعهم!

وإنما هؤلاء وأولئك أساليب إنسانية ليس غير.

وقد أصبح طه حسين في زعمه حرية الرأي كالحيلة على القانون: تقع

معها الجريمة ثم تكون بها البراءة، وكم من لص ومزور وفاتك وأشباههم قد

برَّأتهم المحاكم كما برأت الجامعة المصرية طه حسين في أسلوب واحد.

لمكان الحيلة لا لموضع البراءة، وكم من غفلة جازت على القانون ما دام قائماً على إيجاد المجرم أولا ثم يجيء القاضي في المحل الثاني، وكان الوجه أن

يقوم على رد الناس عن الجريمة قبل وقوعها، وهذا فرق ما بين القانون

والدين: فالدين قانون الأمة كلها وقانون الفضيلة الإنسانية عامة، وهو العقل العام للخلق، أما القانون فهو للمجرمين وللرذيلة خاصة، وهو العقل الخاص لبعض الخلق؛ وإذا أهملوا الأول وغنوا عنه بالثاني دفعوا بالأمة كلها في سبيل الإجرام والرذيلة، ومن ثم تعرف مكان علماء الدين الأمة وهم هم الذيى يعمل طه وأمثاله في تحقيرهم وتهوين أمرهم حماقة وجهلاً وسوءَ نظر وسوء دِخلة.

يعتذرون لـ طه بحرية الرأي، وكأنهم لا يعلمون أن بعض الحرية في التقييد

وبعضها في السلب، وأنه إذا تعارضت منفعة الفرد في إطلاق الحرية له ومنفعة

<<  <   >  >>