واعرضوا عن الآيات الدالة على أن كل ذنب دون الشرك فهو تحت مشيئة الله تعالى.
ومنها قوله تعالى:(أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ)(الحج: ٧٠) حيث اشتبه على الجبرية، ففهموا منه أن العبد مجبور على عمله، وادعوا أنه ليس له إرادة ولا قدرة عليه، وأعرضوا عن الآيات الدالة على أن للعبد إرادة وقدرة، وأن فعل العبد نوعان: اختياري، وغير اختياري.
والراسخون في العلم أصحاب العقول، يعرفون كيف يخرجون هذه الآيات المتشابهة إلى معنى يتلاءم مع الآيات الأخرى، فيبقى القرآن كله محكما لا اشتباه فيه.
[الحكمة في تنوع القرآن إلى محكم ومتشابه]
لو كان القرآن كله محكما لفاتت الحكمة من الاختبار به تصديقا وعملا لظهور معناه، وعدم المجال لتحريفه، والتمسك بالمتشابه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، ولو كان كله متشابها لفات كونه بيانا، وهدى للناس، ولما أمكن العمل به، وبناء العقيدة السليمة عليه، ولكن الله تعالى بحكمته جعل منه آيات محكمات، يرجع إليهن عند التشابه، وآخر متشابهات امتحانا للعباد، ليتبين صادق الإيمان ممن في قلبه زيغ، فإن صادق الإيمان يعلم أن القرآن كله من عند الله تعالى، وما كان من عند الله فهو حق، ولا يمكن أن يكون فيه باطل، أو تناقض لقوله تعالى:(لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ)(فصلت: ٤٢)
وأما من في قلبه زيغ، فيتخذ من المتشابه سبيلا إلى تحريف المحكم واتباع الهوى في التشكيك في الأخبار والاستكبار عن الأحكام، ولهذا تجد كثيرا من المنحرفين في العقائد والأعمال، يحتجون على انحرافهم بهذه الآيات المتشابهة.