للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فمن ذلك: عُلم أن نقصان الإيمان على نوعين:

أحدهما: ما يلام عليه.

الثاني: ما لالوم فيه؛ كهذا المثال.

قلت: وأما من عجز عن إكمال عمل بعد أن أتى بما قدَرَ عليه منه، فالظاهر أنه كمن فعله لقوله - صلى الله عليه وسلم - ((من مرض أو سافر، كتب له ما كان يعمل صحيحاً مقيماً)) (١) ، وأما إن عجز عنه أصلاً، فيحتمل أن يكون له أجر فاعله؛ لقصة الفقير الذي قال: لو أن عندي مال فلان، لعملت فيه مثل عمله، وكان يصرفه في مرضاة الله؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((فهما في الأجر سواء)) (٢) ، ويحتمل عكسه؛ لأن فقراء الصحابة-رضي الله عنهم- لما قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: ((ذهب أهل الدثور بالأجور)) (٣) ، لم يقل لهم: إن نيتكم تبلغكم ذلك فتمنوا، وإنما أخبرهم بعمل بدله. ولكن يقال: إن الذي لا يقدر على عمل معين: إما أن يكون لذلك العمل بدل يقدر عليه، فهذا لا يثاب على العمل إذا لم يأت ببدله؛ لأنه لو كان صحيح النية، لعمل ذلك البدل؛ فعلى هذا: يكون حصول الأجر مشروطاً بعدم وجود بدله المقدور عليه؛ على أنا نقول: إن من نفع الناس بماله، فله أجران:

الأول: بحسب ما قام بقلبه من محبة الله ومحبة ما يقرب إليه؛ فهذا الأجر يشركه الفقير إذا نوي نية صحيحة.

والأجر الثاني: دفع حاجة المدفوع له؛ فهذا لا يحصل للفقير، والله أعلم.


(١) رواه البخاري من حديث أبي موسى، كتاب الجهاد (٢٩٩٦) .
(٢) رواه الترمذي من حديث أبي كبشة الأنماري، كتاب الزهد (٢٣٢٥) وابن ماجه، كتاب الزهد (٤٢٢٨) ، وصححه الألباني.
(٣) رواه البخاري، كتاب الأذان (٨٤٣) ، ومسلم، كتاب المساجد (٥٩٥) .

<<  <   >  >>