للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

٦ - وقال أبو حنيفة: وكذلك الوقيع من الأرض، وهو الغليظ الذي لا يُنَشِّف الماء ولا ينبت، وأمكنة وُقُع: بيّنة الوقاعة، قال ذو الرمة:

فلما رأى الرائي الثُّريا بسُدْفَةْ ... ونَشّتْ نِطافُ المُبْقياتِ الوقائعِ

وقد أصاب في الوقيع والوقائع، وأخطأ في الوقائع. ولا شاهد له في بيت ذي الرمة، لأن الوقائع هاهنا جمع وقيعة، وهي: القَلْتُ في الصَّفا يكون فيه الماء، قال الشاعر:

إذا شاءَ راعيها استقى من وقيعةٍ ... كعينِ الغُراب صفوةٍ لم تُكَدّرِ

٧ - وقال أبو حنيفة: والأقارع مثل الوقْع في الصلإبة ولا تنبت، قال ذو الرمة، ووصف غيثاً:

كسا الأُكم بُهمى غَضّةً حَبشيَّة ... تُؤَاماً ونُقْعانُ الظهورِ الأقارعِ

أراد أنه أنبت البُهمى مما بنبت وأنفع المياه فيما لا ينبت، ويقال لكل صُلب شديد: قرّاع.

وقد أصاب أيضاً في الأقارع وأخطأ في القرّاع، إذ قَرنه بالأقارع، لأن الأقارع من القَرَع - بالتحريك - والقَرّاع من القَرْع بالإسكان.

٨ - وقال أبو حنيفة: - وقد ذكر الرياح - وفي الشمال تقطيع للسحاب وتبديد، ولذلك سميت مَحْوة.

وهذا قول مرغوب عنه، وهو قول الأصمعي، والناس على خلافه. وسنوضح فساده في تنبيهات الكامل إن شاء الله.

٩ - وروى أبو حنيفة للبيد:

كأنَّ مُصفَّحاتٍ في ذراه ... وأنواحاً عليهنَّ المآلي

يضيءُ رَبابه في المُزن حُبْشاً ... قياماً بالحراب وبالإلالِ

وفسر فقال: الإلال: الحراب الواحدة ألة، والمصفحات: المصفّقات. شبّه الرعد بأصوات الملاعب وبأصوات المناوح. والألّة: الحربة - كما قال - وجمعها ألٌّ، وجمع ألّ إلالّ. فأما المصفّحات فقد رويت كما قال، إلا أن الأعلى من الروايات المصفَّحات بفتح الفاء.

وقال الخليل: المصفَّحات: السُّيوف الصَّفائح. وتشبيه البرق بالسيوف العراض خير من تشبيه الرعد بالتصفيق. هذا مع أنهم يختارون لما يصفونه من الدّيم ألاّ يكون بها رعد، قال كُثيّر:

أناكرةٌ يا عزَّ عدوى نواكم ... سقتكِ سوادي دِيمةٍ وغوادي

بمكتتماتِ الرَّعد غُرٍّ نشاصها ... عوادٍ من الجوزاء غير جهادِ

وقال ابن هَرْمة:

فلا حسَّ إلا خوات الرذاذ ... وزعب السُّيول بأدراجها

وكذلك أيضاً يختارون ألاّ يكون بها برق. فإن كان، كان غير خاطف، وأن يكون الرعد إن كان بها غير قاصف، وإن يكونا ساكنين، كما قال الشاعر:

إذا حرّكته الريحُ أرزمَ جانبٌ ... بلا هَزَق منه، وأومضَ جانبُ

والإيماضُ:البرق وأخفاه. وأنشد أبو عمرو:

يا ميَّ أسقاكِ البريق الوامضُ ... والدِّيَمُ الغادية الفضافضُ

ألا تراه - وقد جعل غيثه ديماً - كيف صنع وجعله وامضاً كما قال فجعله ضعيفاً عليلاً، فقال:

هَلْ هاجكَ الليلُ كليلٌ على ... أسماءَ في ذي صُبُرٍ مُخْيَلِ

١٠ - وقال أبو حنيفة: يقال رعدت السماء وبرقت، هذا الكلام العالي الفصيح، وقال: جاء أرعدت وأبرقت على قلّة، وهو مرغوب عنه، والأصمعي يردّها وليس الكثرة كأرعدت وأبرقت والرَّغبة فيهما واحدة، ولردّ الأصمعي علّة سنشرحها فيما ننبّه عليه من أغلاط الغريب المصنف لأبي عبيد إن شاء الله.

١١ - وقال أبو حنيفة - وقد ذكر بطون الأرض -: ومنها الدارة والجمع دارات، وهي تعد من بطون الأرض المنبتة، قال الأصمعي: وهي الجوْبة الواسعة تحفّها الجبال. قال: وإذا كانت في الرمل فهي الدَّيَرة، والجمع الدَّيَر.

وقد غلط في هذا من وجهين: أحدهما أن الدارة، قد تكون من البواطن، وتكون من الظواهر والبواطن، فمن البواطن قول عِتْر بن عَبْقس:

رعت موقع الوسميّ حول عُنَيرةٍ ... وداراتها بالحزم حيث تَقعّرا

ومن الظواهر قول بُرْد:

ودارة الأحزم لن تراها ... بها المكاكي صَخِباً صداها

يَستنُّ في آل الضحى رُعاها

وقد قال الهجريّ: " الدّارة: النّبكة السهلة حفّتها جبال " فقوله: نبكة شاهد أنها من الظواهر، وقد أنعمنا في وصف الدارة في كتاب الدّارات.

١٢ - وقال أبو حنيفة: فأما الدارات التي ذكرها الأصمعي فنحو: دارة أهوى، ودارة موضوع، ودارة جُلْجُل وسائر دارات أرض العرب.

<<  <   >  >>